كلمةٌ حول تاريخ معجزة الإسراء والمعراج

(وقت القراءة: 8 - 16 دقائق)

lliiص

توطئة:منذ مرحلة متقدمة من عمري – تعود إلى ما يقارب الثلاثين عاماً – أدركتُ مدينتي القطيف وهي تحتفي ببعض المناسبات الدينية في تواريخ معينة ومحددة، ولكنَّ بعض هذه المناسبات تكاد أن تُلغى من قائمة المناسبات التي يتمُّ إحياؤها، وبعضها الآخر قد تغيّر تاريخه بمرور الأيام، فمثلاً كان الناس يحييون ذكرى شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) في النصف من شهر رجب الأصبّ، وذكرى شهادة الإمام الجواد (عليه السلام) في السادس من شهر ذي الحجة، ولكن تقلّص إحياء الشهادتين في هذين التاريخين، وصار الكثير من الناس يحيي المناسبة الأولى في الخامس والعشرين من شهر شوال، ويحيي المناسبة الثانية في آخر شهر ذي القعدة.

كما كانت المجالس تحيي ذكرى مناسبة الإسراء والمعراج – إلى جانب مناسبة المبعث النبوي الشريف – في السابع والعشرين من شهر رجب الأصب [1]، وقد دُعيتُ شخصياً لإحيائها في العديد من المجالس ولعدة سنوات، ولكن قد تقلّص إحياء هذه المناسبة في التاريخ المذكور، ولم يُستبدل تاريخ إحيائها بتاريخ آخر، مما أفضى – للأسف الشديد – إلى خسارة المؤمنين فائدة إحياء هذه المناسبة وتخليدها في نفوسهم رغم ما لها من المداليل المعرفية والعقائدية المهمة.

ولا يخفى أنَّ تواريخ هذه المناسبات تعبّر – على الأظهر – عن إرثٍ علمائي، باعتبار ما كانت تزخر به منطقتنا على طول الخطّ من الأعلام، وانقياد الناس لتعاليمهم، مما انعكس على مخزون المنطقة الديني والمعرفي وواقعها السلوكي، وعليهِ فمن الأمانة والمسؤولية حفظ هذا الموروث والحرص عليه.

وتتأكد هذه المسؤولية في حق المتولين على الأوقاف والمجالس الحسينية الموقوفة على إحياء المناسبات بالنحو المتعارف في البلاد، فإنَّ هؤلاء لا يسوغ لهم شرعاً رفع اليد عن المتعارف، واستبداله بغيره.

وإذا عرفتَ ذلك، فإنَّ الغرض من هذا المقال هو: تصحيح الاحتفاء بذكرى معجزة الإسراء والمعراج في اليوم السابع والعشرين من شهر رجب الأصب، كما هو الذائع والشائع – بحسب اطلاعي – عند شيعة الخليج، والداعي لذلك هو التعليق على ما ذكره بعض أهل العلم من توهين الاحتفال بهذه المعجزة المباركة في التاريخ المذكور، بدعوى أنَّ القول بوقوعها في شهر رجب هو قول أهل العامة، بينما قول الشيعة هو وقوعها في شهر رمضان المبارك، وعليه روايات السادة المعصومين (عليهم السلام) أيضاً، فإنها تثبت وقوعها في شهر رمضان، وتنفي وقوعها في شهر رجب.

وقبل الشروع فيما نحنُ بصدده يلزم التمهيد بمقدمةٍ نافعة.

المقدمة: وحاصلها: أنه مما لا شك فيه أنَّ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد عرُجَ به إلى السماء مرات عديدة، وقد أنهتها بعض الروايات الشريفة إلى مائة وعشرين مرة، كما جاء في الخبر عن صادق آل محمد (عليه وعليهم آلاف التحية والسلام) [2].

ولعلَّ هذا هو أحد عوامل الاختلاف في تحديد تاريخ حادثة الإسراء والمعراج، عاماً وشهراً ويوماً، إلا أنه لا يخفى أنَّ ما ينبغي أن يكون محور الترديد والنفي والإثبات هي حادثة واحدة، وهي الحادثة التي تحدى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بها المشركين، واعتبرها آية من آيات نبوته العظمى ورسالته الكبرى؛ فإنَّ هذه الحادثة المعينة هي التي وقع الاختلاف في تحديدها بين المؤرخين.

وبعد الانتهاء من عرض هذه المقدمة نتحدث حول ما نحن بصدده من خلال عدة نقاط:

أقوال مؤرّخي أهل السنة: 1 / النقطة الأولى: إنَّ محدثي ومؤرخي أهل السنة قد اختلفوا اختلافاً شديداً في تحديد شهر حادثة الإسراء والمعراج ويومها، فذهب بعضهم كابن الأثير والزهري وعروة وابن أبي شيبة إلى وقوعها في شهر ربيع الأول، وأرَّخها بعضهم كالواقدي والسدي بشهر رمضان، والبعض الثالث بشهر شوال، والبعض الرابع بشهر رجب، ونسب هذا القول للرافعي والمقدسي، وذكروا أنَّ النووي في الروضة قد جزم به أيضاً [3].

ومن هذا يتضح: أنَّ القول بوقوع حادثة الإسراء والمعراج في شهر رمضان لا يختص بالشيعة – كما ادعي – كما أنَّ القول بوقوعها في شهر رجب ليس متسالماً عليه عند أهل السنة، بل صرَّح بعضهم بكونه من الموضوعات [4].

وعلى هامش ما ذكرته أقول: إن كان الإسراء الرجبي متابعة للعامة، لقولهم بوقوع الإسراء فيه، رغم تكذيب بعضهم له، فليكن القول بالإسراء الرمضاني كذلك أيضاً؛ لبناء بعضهم على وقوع الإسراء في شهر رمضان!!

أقوال مؤرّخي الشيعة الإمامية: 2 / النقطة الثانية: إنَّ مؤرخي ومحدثي الإمامية (أعز الله كلمتهم) قد اختلفوا اختلافاً شديداً أيضاً في تحديد تاريخ الحادثة سنة وشهراً ويوماً، ولهم في ذلك أقوال:

1 / القول الأول: ما ذهب إليه الشيخ المفيد (أعلى الله درجته) من وقوعها في الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان [5].

2 / القول الثاني: ما حكاه العلامة المجلسي (طاب مثواه) عن السيد الجليل ابن طاووس (عطر الله مرقده) من أنَّ القول بوقوع حادثة الإسراء والمعراج في الليلة السابعة عشر من شهر ربيع الأول من المرويات [6].

وقد أدرجنا هذا ضمن الأقوال بلحاظ المحكي لا الحاكي.

3 / القول الثالث: ما ذهبَ إليه سيد الميزان (أعلى الله مقامه) من عدم إمكان القطع بتاريخ وقوعها، لاختلاف الأدلة والأقوال في تحديد تاريخها [7].

4 / القول الرابع: وقوعها في السابع والعشرين من شهر رجب، وقد مال إليه عدة من الأعلام، منهم:

سماحة آية الله الشيخ فتح الله الكاشاني – المتوفى سنة 988ه – حيث قال في تفسيره الشهير (منهج الصادقين) بتعريب مني: “وأكثر العلماء اختلفوا في شهر المعراج، هل هو ربيع الأول؟ أم شهر رمضان؟ أم شوال؟ أم ربيع الثاني؟ وأشهرها ليلة السابعة والعشرين من رجب” [8]. وقال (طاب ثراه) في تفسيره الآخر (خلاصة المنهج): “وأكثر العلماء على وقوع المعراج في السنة الثانية عشر من المبعث، وعلى الأشهر في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب” [9]. العلامة العارف، المولى حسين بن علي الكاشفي السبزواري (قدّس سره) – المتوفى سنة 910 هـ – حيث قال في تفسيره (مواهب عليه) بتعريب مني: “واختلفوا في شهر المعراج، أهو ربيع الأول؟ أم ربيع الآخر؟ أم رمضان؟ أم شوال؟ والأشهر سبعة وعشرون من رجب” [10]. المفسر الشهير الميرزا الشيخ إبراهيم العاملي الخراساني (قده)، حيث قال في تفسيره (تفسير عاملي) بتعريب مني: “واختلفوا في شهر المعراج، هل هو ربيع الأول؟ أم رمضان؟ أم شوال؟ أم ربيع الآخر؟ والمشهور أنه في ليلة السابع والعشرين من رجب” [11]. آية الله الميرزا محمد الثقفي الطهراني (قده) – والد زوجة السيد الخميني (قده) –حيث قال في كتابه (روان جاويد) بتعريب مني: “والمشهور أنه في السنة الثانية عشر من البعثة، ليلة سبعة وعشرين من رجب” [12]. تنبيهٌ: ومما يجدر الالتفات إليه في المقام: أنَّ عدة من أعلام الطائفة، وإن لم يتبنوا وقوع حادثة الإسراء والمعراج في اليوم السابع والعشرين، إلا أنهم ذكروه كأحد الأقوال من غير ترجيح غيره عليه، ومنهم:

سماحة السيد محسن الأمين (قدّس سره)، حيث قال في موسوعته الشهيرة (أعيان الشيعة): “الإسراء والمعراج، قيل: كانا في ليلة واحدة، واختلف في تاريخ ذلك، فقيل كان ذلك سنة اثنتي عشرة من البعثة.. في السابع عشر من شهر رمضان.. أو ليلة سبع وعشرين من رجب على اختلاف الروايات والأقوال” [13]. وقال في كتابه الآخر (المجالس السنية): “وعرج به من المسجد الأقصى إلى السماء في ليلة واحدة.. في شهر ربيع الأول.. أو ليلة سبع وعشرين من رجب، على اختلاف الأقوال والروايات” [14]. شيخ المحدثين العظام، الشيخ عباس القمي (قده)، حيث قال في موسوعته (سفينة البحار): “واختلف في ليلة الإسراء، فقيل لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان.. وقيل: ليلة سبع وعشرين من رجب” [15]. وقال في كتابه (كحل البصر): “وقد تنوزع في ليلة الإسراء، فقيل لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان.. وقيل ليلة سبع وعشرين من شهر رجب، وقيل غير ذلك” [16]. المصنف المتتبع، العلامة الشيخ علي النمازي الشاهرودي (قده)، حيث قال في موسوعته (مستدرك سفينة البحار): “واختلف في ليلة الإسراء فقيل: لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان.. وقيل: ليلة سبع عشرة من ربيع الأول، وقيل: ليلة سبع وعشرين من رجب” [17]. وبإتمام عرض هذه الكلمات الشريفة يتضح – كالشمس في رابعة النهار – أنَّ القول بوقوع حادثة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من شهر رجب قول معروف عند علماء الشيعة، بل ادعيت عليه الأشهرية في كلمات بعضهم، والشهرة في كلمات البعض الآخر، وهذا ما يؤكد ما سبق أن ادعيناه من أنَّ ما عليه العمل عند شيعة الخليج (نصرهم الله وأعزهم وجميع شيعة أمير المؤمنين – عليه السلام – في العالم) من الاحتفاء بالمناسبة المذكورة في التاريخ المذكور، له مستند صحيح [18]، ولا يصح رميه بالخطأ والاشتباه.

ومن ذلك اتضح أيضاً أنَّ القول بوقوع حادثة الإسراء والمعراج في شهر رمضان المبارك ليس محل تسالم علماء ومحدّثي الشيعة [19].

الروايات المعصومية: 3 / النقطة الثالثة: إنَّ ما يقضي به التتبع للروايات المأثورة عن المعصومين (عليهم السلام) هو عدم وجود رواية تحدد تاريخ حادثة الإسراء والمعراج سوى روايتين فقط، وإليكهما:

الأولى: مرسلة القطب الراوندي (أعلى الله مقامه) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «لما كان بعد ثلاث سنين من مبعثه صلى الله عليه وآله أسري به إلى بيت المقدس، وعرج به منه إلى السماء ليلة المعراج» [20]، وبضميمة اتفاق الإمامية – طبقاً للروايات الشريفة – على وقوع المبعث في السابع والعشرين من شهر رجب قد يُستظهر من المرسلة المذكورة وقوع حادثة الإسراء والمعراج في التاريخ المذكور أيضاً بعد مرور سنتين على بعثة النبي (صلى الله عليه وآله)، بناءً على كون المعصوم (عليه السلام) بصدد بيان التحديد الدّقي لحادثة الإسراء والمعراج عاماً وشهراً ويوماً [21].

والأخرى: ما رواها الشيخ الفضل الراوندي (قده) – في النوادر – بسنده عن محمد بن مسلم، عن وهب بن منبه: “وهي لثلاثٍ بقينَ من رجب، وهي ليلة البعث، وليلة المعراج” [22].

وهذه الرواية وإن كانت مقطوعة – بحسب الاصطلاح الدرائي – لعدم تصريح راويها بالمعصوم الذي ينقل عنه، مضافاً لكون (وهب بن منبّه) مرمياً بالضعف، إلا أنَّ نقل الفضل الراوندي (قده) لها ليس إلا لاعتقادهِ بكونها من الروايات، على أنّه لا توجد في مقابلها ولا رواية واحدة – ولو مقطوعة – تدّل على وقوع الإسراء في شهر رمضان المبارك أو غيره من الشهور.

هل يصح التعويل على أقوال العامة؟ 4 / النقطة الرابعة: إننا حتى لو أغمضنا عن كلّ ما ذكرناه، وتنزلنا وسلمنا أنه لا قائل بذلك من محدثي ومؤرخي الإمامية، فهل من ضير في الاحتفاء بالمناسبة في التاريخ المذكور تعويلاً على نقل بعض المؤرخين من غير الشيعة؟

الظاهر أنه لا حزازة فيه – ما دام لم يقع متعلقاً للنفي من قبل أعلام الطائفة، ولم تنهض الأدلة على خلافه – وهذا ما صرَّح به غير واحد من أعلام الطائفة، ومنهم: المحقق السبزواري (قده) في (الكفاية)، حيث قال: “والظن قد يحصل بالتواريخ المعتبرة إذا كان صاحب الكتاب اشتهر بصحة النقل، واشتهر الاعتماد على كتابه والعمل بقوله بين الناس، كابن جرير الطبري، وصاحب المغازي، والواقدي، والبلاذري، والمدائني، وابن الأثير، والمسعودي وأضرابهم” [23].

وليست بخفيةٍ على أحدٍ موافقة ثقة الإسلام الكليني (طاب مثواه) لتواريخ العامة في تحديد يومي ولادة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وشهادته، ودعوى أنَّ ذلك منه كان للتقية يصعب قبولها.

وقد عوَّل الأعلام (قدهم) على نقل مؤرخي العامة، وسكنوا إلى منقولاتهم، ما لم يمنع من الأخذ بها مانع.

ولعلَّ من أشهر مؤرخيهم – الذين كثرَ النقل عنهم – أبو مخنف لوط بن يحيى، فإنه قد كَثُرَ النقل عنه في كتب الشيعة، سيما فيما يرتبط بمقتل أمير المؤمنين ومقتل سيد الشهداء الحسين (عليهما السلام)، رغمَ كونه عامياً على قولٍ مشهور، ومن هنا قال عنه المحقق الخوئي (قده) في معجمه الشريف: “وكيف كان فهو ثقة مسكون إلى روايته، على ما عرفت من النجاشي” [24].

ولا ضير في ذلك بعد إحراز وثاقة المؤرِّخ اللسانية، وعدم معروفيته بالكذب والاختلاق، بل حتى لو كانَ المؤرّخ كافراً صحَّ الأخذ عنه مع إحراز وثاقته، فإنَّ فساد الاعتقاد لا يلازم الكذب اللساني؛ إذ ربَّ صحيح العقيدة لا يصح التعويل على إخباره؛ لكثرة كذبه، وربَّ فاسد العقيدة يصح اعتماد منقولاته ومروياته، لكونهِ نقيَّ اللسان؛ ولو من جهة حبه للاشتهار بصفة الصدق باعتبارها صفة ممدوحةً بحكم العقل.

ومن هنا يُعلم: أنَّ الرجوع للمؤرخين ليس بلحاظ انتمائاتهم العقائدية والفكرية، وإنما هو بلحاظ كونهم أهل خبرة وتتبعٍ في مجالهم، فيصح الرجوع إليهم وإن لم يكونوا من مؤرخي الشيعة، وهو في الجملة نظير الرجوع إلى الطبيب في فنه، والمهندس في مجاله، وإن لم يكن كلٌ منهما شيعياً، بل ولو لم يكونا مسلمين.

والحاصل: فإنَّ وجود القيل من قبل بعض مؤرخي العامة – إن لم يمنع من الأخذ بهِ دليل معتبر – يكفي لتوليد الاحتمال، ووجود الاحتمال – كما لا يخفى – كافٍ لتصحيح الاحتفاء بالمناسبة وتعظيمها.

المحصلة النهائية: ومن جميع ما ذكرناه ظهر:

أولاً: أنَّ الاحتفاء باليوم السابع والعشرين من شهر رجب على أنه يوم الإسراء والمعراج، كما أنه يوم المبعث الشريف، له وجهٌ صحيح بالمعنى الذي ذكرناه سابقاً، وليس ناجماً عن الخطأ والاشتباه؛ لوجود قولٍ بذلك، بل رواية محتملة كما اتضح، ومن الواضح أن وجود القول يكفي لذلك، كما هو في سائر المناسبات التي يحتفى بها لأكثر من مرة في العام بسبب تعدد الأقوال، من غير أن يُرمى أحد في ذلك بأدنى اشتباه، كيفَ وقد قرأتَ – في كلمات بعض الأعلام – أنَّ القول بذلك هو الأشهر، بل المشهور.

وثانياً: اتضح مما ذكرناه أيضاً فساد القول: بأنَّ الإسراء الرجبي لا قائل به من علماء الطائفة، وأنهم يخطّئون القول به؛ لأنه قد تسرَّب من كتب العامة إلى كتب الشيعة، بل بالغ بعضهم وزعم أن روايات الحجج الطاهرين (عليهم السلام) على خلافه، رغم أنه لا توجد ولا رواية واحدة – كما ظهرَ – تنفي الحادثة في التاريخ المذكور، بل ولا تثبته في تاريخ آخر، كما أنني بحسب تتبعي لم أجد من يخطّئ ذلك من علماء الطائفة، وتبقى عهدة كل ذلك على مدّعيه.

أسئلة وأجوبة على هامش البحث: السؤال الأول: لماذا اهتمت الروايات كثيراً بالتنصيص على كون يوم السابع والعشرين من شهر رجب هو يوم المبعث، بينما لم تهتم بالتنصيص على كونه يوم الإسراء؟

الجواب: إنَّ اهتمام الروايات بالتنصيص على كون اليوم المذكور هو يوم المبعث إنما هو لأجل ارتباط أعماله العبادية – كالصيام والزيارات – به.

السؤال الثاني: لماذا أساطين التشيع (قدهم) قد نصّوا على كون يوم السابع والعشرين هو يوم المبعث، بينما لم ينصّوا على كونه يوم الإسراء؟

الجواب: إنَّ أكثرهم أيضاً لم ينصوا على يومٍ آخر للإسراء والمعراج، كما أنَّ السكوت أعمُّ من النفي والإثبات، فلا يمكن استنتاج شيء من سكوتهم، سيما مع الالتفات إلى أنَّ أكثرهم إنما نصّوا على المبعث في اليوم المذكور لارتباط الأعمال به.

السؤال الثالث: ألا يمكن أن يُقال إنَّ ارتباط كل أعمال يوم السابع والعشرين بالمبعث – دون الإسراء – منبّهٌ على كونه يوم المبعث النبوي فقط؛ إذ لو وقعت حادثة الإسراء والمعراج فيه لارتبطت بعض الأعمال بها؛ لكونها عظيمة كعظمة المبعث؟

الجواب: إنَّ الأعمال العبادية تابعة للملاكات، ولا مانع أن تكون ملاكات الغسل والصيام والزيارات ونحوها قائمة بمناسبة المبعث دون المعراج، بل ذلك هو صريح الروايات الشريفة، كما لا يخفى على متتبعها.

وما ذُكرَ منبّهاً لا يصلح للتنبيه؛ لأننا لم نجد عملاً عبادياً يرتبط بحادثة الإسراء والمعراج حتى على القول بوقوعها في غير شهر رجب، مما يعني أنه لا شيء من الملاكات يعود إليها على الرغم من عظمتها، فتأمّل جيداً.

الخاتمة: وختاماً لهذه الأسطر أكرر ما ذكرته ابتداءً من أنَّ الغرض مما كتبت ليس إلا إثبات صحة الاحتفاء بذكرى الإسراء والمعراج في التاريخ المذكور، كما عليه العمل عند كثير من الشيعة، وعدم صحة رميهم بالاشتباه في ذلك، وأما الجزم بتاريخ الحادثة فدونه خرط القتاد [25]، وأسأل الله تعالى لي ولجميع الأعزة التوفيق لخدمة دينه والفوز برضاه ورضا أوليائه الطاهرين (عليهم صلوات المصلين).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أبد الآبدين.

ضياء ابن المرحوم السيد عدنان الخباز القطيفي

مشهد المقدسة

الجمعة 27 / رجب الأصب / 1434 هـ

الهوامش [1] ويمتد تاريخ إحياء هذه المناسبة لتاريخ أسبق، ويمكن استكشاف ذلك من خلال مراجعة موسوعة (الأزهار الأرجية) للعلامة العلم الحجة الشيخ فرج آل عمران (طيّب الله ثراه)، فمثلاً: جاء في أحداث شهر رجب من سنة ١٣٦٦ه – في الصفحة 326 من الجزء الثاني من المجلد الأول من طبعة دار هجر – قوله: (وفي يوم الثلاثاء السابع والعشرين من الشهر المؤرخ، وهو يوم المعراج، وكنت يومئذ في المستشفى، أنشأت قصيدة في شأن المعراج).

[2] بحار الأنوار: 18 / 387.

[3] بالإمكان الاطلاع على جميع الأقوال المذكورة في (سبل الهدى والرشاد) 3 / 65، للصالحي الشامي.

[4] قال الحطاب الرعيني في (مواهب الجليل) 3 / 320: “قال ابن دحية: ذكر بعض القصاص أنَّ الإسراء كان في رجب، قال: وذلك كذب”.

[5] مسار الشيعة: 26.

[6] بحار الأنوار: ج 18 ص 302.

[7] الميزان في تفسير القرآن: 13 / 31.

[8] منهج الصادقين في إلزام المخالفين: 5 / 236.

[9] خلاصة المنهج: 3 / 97.

[10] مواهب عليه: 606.

[11] تفسير عاملي: 5 / 406.

[12] روان جاويد: 3 / 333. وقد يُستظهر ذلك من العلامة الطبرسي (قده) – في (تاج المواليد): 5 – حيث قال: “وبعث بمكة يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب… وعرج به إلى السماء بعد البعثة بسنتين” بدعوى أنه بصدد تحديد الحادثة عاماً وشهراً ويوماً، لا عاماً فقط، ولكنّه يحتاج إلى بعض المؤونة.

وحكى ذلك ابن المطهر الحلي (قده) – في العدد القوية: 337 – عن كتابٍ سماه (التذكرة) ولم ينسبه، وليس يُراد به (تذكرة الفقهاء) للعلامة (قده)، لعدم تعرضه لذلك، كما تفحصته، كما أنه لا يُراد به (تذكرة الخواص) لابن الجوزي؛ إذ أنَّ كتاب التذكرة هذا معقود لبيان خواص الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) فقط، ولم يتعرض لشيء من السيرة النبوية المباركة، والتي منها حادثة الإسراء، ومع ذلك فقد قلبت صفحات الكتاب وبحثت بين طياته، فلم أجد أثراً للمنقول، مما يؤكد أن كتاب التذكرة يراد به كتاب آخر غير كتاب ابن الجوزي، ولا يمكن الجزم بعدم كونه من كتب الشيعة الإمامية، بل لعلَّ المتتبع لعبارات صاحب العدد يجده يفرّق بين ما ينقله عن كتاب التذكرة – محل الكلام – فلا يقيده بقيد، بينما إذا نقل عن تذكرة ابن الجوزي يقيد العنوان بقوله (تذكرة الخواص).

ومضافاً لمن ذكرناهم في المتن فقد صرّحَ البحاثة المتتبع، السيد عبد الحجة البلاغي في كتابه (حجة التفاسير) 8 / 79 باتحاد تاريخ المبعث النبوي والإسراء والمعراج، كما صرَّح العلامة المعاصر، الشيخ يعسوب الدين رستگار في تفسيره (البصائر) 42 / 192: بأنَّ وقوع الحادثة في شهر رجب هو القول المشهور.

[13] أعيان الشيعة: 1 / 235.

[14] المجالس السنية: 2 / 8.

[15] سفينة البحار: 6 / 194، ومما يجدر ذكره في المقام: أنَّ التعبير بكلمة (قيل) ليس دائماً لأجل تمريض القول؛ إذ قد يكون لأجل الترديد بين قولين، كما هو الحال في كلمات الشيخ القمي (قده) وغيره، فتأمل جيداً.

[16] كحل البصر: 77.

[17] مستدرك سفينة البحار: 7 / 146، والجدير بالذكر أنه (قده) جزمَ بذلك في الجزء الرابع من كتابه ص 146، حيث قال: “في السادس والعشرين من شهر رجب كانت وفاة أبي طالب. وفي 27 يوم المبعث وفي ليلته المعراج”.

[18] ليس مرادنا من المستند الصحيح إلا: الوجه الصحيح الذي يصح الاستناد إليه لأجل إحياء مناسبة الإسراء والمعراج في يوم السابع والعشرين من شهر رجب؛ إذ وجود الاحتمال كافٍ لتصحيح الإحياء والاحتفاء بالمناسبة، كما هو الحال في سائر المناسبات الدينية غير القطعية.

[19] وبهذا الصدد قال بعض أعلام آل كاشف الغطاء (قده) في كتابه (الصلاة، ص11) متحدثاً عن تطابق المبعث النبوي والإسراء والمعراج: “وإذا ثبت أنَّ المشهور هو ذلك فالعمل عليه، حيث أنَّ أرباب التواريخ والسير يأخذون بما اشتهر إذا لم تقم الحجة المعتبرة على خلافه”.

[20] الخرائج والجرائح: 1 / 141.

[21] أي: أنَّ البعدية في قول الرواية: (بعد ثلاث سنين من مبعثه) تحتمل احتمالين:

الاحتمال الأول: البعدية العرفية، وهي تتحقق بمرور ثلاث سنوات، وإن لم يكن هنالك تطابق في الشهر واليوم.

الاحتمال الثاني: البعدية الدّقية، وهي تتحقق بمرور ثلاث سنوات، مع التطابق شهراً ويوماً.

واستظهار كون الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من شهر جب من خلال هذه الرواية وإن كان يتوقف على ترجيح الاحتمال الثاني، غير أنَّ مطلوبنا – وهو صحة الاحتفاء بالمناسبة في التاريخ المذكور – مما يكفي فيه أصل الاحتمال، لا ترجيحه.

[22] النوادر: 262.

[23] كفاية الأحكام: 1 / 390.

[24] معجم رجال الحديث: 15 / 140.

[25] قد يُقرَّب وقوع الإسراء والمعراج في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، بدليل يتركب من مقدمات ثلاث:

الأولى: إنَّ ولادة الصديقة الزهراء (عليها السلام) – على الأقوى – قد تمَّت في العشرين من شهر جمادى الثانية.

الثانية: إنَّ أكلَ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) لثمار الجنة التي كانت تجليات للوجود المقدّس للصديقة الزهراء (عليها السلام) تمَّ في رحلة الإسراء الإعجازية، لا في غيرها.

الثالثة: إنَّ بدء تكوينها (عليها السلام) كان بعد رحلة المعراج بشكلٍ مباشر، كما هو مفاد العديد من الروايات الشريفة.

وبضمِّ هذه المقدمات الثلاث لبعضها البعض – مع عدم وجود ما يشير إلى نقص مدة الحمل بها عن تسعة أشهر – يترجح القول بوقوع الإسراء والمعراج في بداية العشر الأواخر من شهر رمضان، لتكون ولادة الصديقة الطاهرة (عليها السلام) بعده بتسعة أشهر في يوم العشرين من شهر جمادى الثانية.

ولكنَّ الجنوح لهذا الاحتمال – على فرض تمامية المقدمات المذكورة جميعها – لا يعني تخطئة الاحتمال الآخر، وتوهين الاحتفاء بالحادثة المباكرة وتعظيمها في السابع والعشرين من شهر رجب؛ إذ لا سبيل للقطع بعدم صحته، سيما مع كونه القول المشهور المعروف.

واللهُ تعالى هو العالم العاصم.


طباعة   البريد الإلكتروني