في من نزلت آية التطهير؟

(وقت القراءة: 21 - 42 دقائق)

آية التطهير*

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾

الأحزاب (٣٣): ٣٣

*انظر ــ ما يتعلّق بهذا الموضوع ــ : (آية المباهلة)(آية المودّة) (أهل البيت(عليهم السلام)(حديث الكساء)(العصمة)

الصفحة 62
الصفحة 63

(في من نزلت آية التطهير؟)

« حسين حسّان »

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

الصلاة والسلام على رسول الله، اللّهمّ صلّ على سيّدنا محمّد وآل محمّد.

أُريد أن أستعلم من سيادتكم عن شيء مهم جدّاً وهو خاص بآية التطهير، فآية التطهير: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾(1) في سورة الأحزاب، قد وضع الله عزّ وجلّ قبلها وبعدها آيات تخاطب نساء النبيّ وأزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكمثل ما عوّدتمونا أن نتدبّر آيات القرآن، فهل هذا يدلّ على أنّ زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل البيت؟

على الرغم من ذلك وجدت في كتب أهل السُنّة، وفي البخاري حديث نبوي معناه: أنّ أهل البيت هم: النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وفاطمة والحسن والحسين ومولانا أمير المؤمنين(عليهم السلام).


1- الأحزاب (٣٣): ٣٣.

الصفحة 64
الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

نقول: ممّا أجمع عليه أهل النقل من المسلمين كافّة أنّ آية التطهير قد نزلت لوحدها منفردة دون ما قبلها وما بعدها، وهذا شيء متّفق عليه(1), فمن هنا يبطل القول بأنّها نازلة في خصوص النساء؛ لورود سبب نزول صحيح عند الجميع، وهو: أنّها نزلت في أصحاب الكساء(عليهم السلام).

وكذلك يبطل القول بأنّها نازلة في الاثنين معاً: النساء وأصحاب الكساء(عليهم السلام)؛ لعدم ذكرهنّ في سبب النزول, وعدم إدخال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لأمّ سلمة مع طلبها لذلك، على الرغم من فضيلتها وعظمتها التي لا تنكر.


1- انظر: مسند أحمد بن حنبل ٦: ٢٩٢ حديث أُمّ سلمة زوج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، صحيح مسلم ٧: ١٣٠، باب (فضائل أهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) )، سنن الترمذي ٥: ٣٠ سورة الأحزاب، المستدرك على الصحيحين، للحاكم ٢: ٤١٦ تفسير سورة الأحزاب، السنن الكبرى، للبيهقي ٢: ١٤٩، باب (أهل بيته الذين هم آله). ولفظ رواية أحمد: ((حدّثنا عبد الله، حدّثني أبي، ثنا عبد الله بن نمير، قال: ثنا عبد الملك، يعني: ابن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، قال: حدّثني من سمع أُمّ سلمة تذكر أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) كان في بيتها، فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة، فدخلت بها عليه، فقال لها: (ادعى زوجك وابنيك). قالت: فجاء عليّ والحسين والحسن فدخلوا عليه، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على دكان تحته كساء له خيبري، قالت: وأنا أُصلّي في الحجرة، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً))، قالت: فأخذ فضل الكساء فغشّاهم به، ثمّ أخرج يده فألوى بها إلى السماء، ثمّ قال: (اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً). قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: (إنّك إلى خير، إنّك إلى خير)).

الصفحة 65
وأمّا من يحتجّ على دخول النساء بمسألة السياق, فالسياق لا يُستدلّ به مع ورود سبب نزول بخلافه.

وكذلك فإنّ السياق قد هُدم بمجيء ضمير التذكير خلافاً لما قبلها ولما بعدها, فيكون الخطاب حينئذ غير متوجّه لنساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قطعاً، مهما كانت تأويلاتهم لضمير التذكير في ﴿عَنْكُمُ﴾, ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ﴾, فلو أراد الله تعالى إبقاء السياق في الكلام مع النساء لَما أعرض عن ضمير التأنيث إلى التذكير؛ فإنّ ذلك يهدم السياق ويوهم السامع.

وعلى كلّ حال فإنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي يبيّن سبب النزول حتّى تعرف الأُمّة المراد؛ فقد قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾(1), فالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وضّح نزول آية التطهير لوحدها دون ما قبلها وما بعدها, وكذلك بيّن حصر أهل البيت المقصودين في آية التطهير، قولاً وفعلاً، بحصرهم في الكساء وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) : (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي...)، كما خصّهم الله تعالى بذلك بقوله: ﴿إِنَّمَا﴾.

ونكتفي لتأكيد قولنا هذا، بقول أبي المحاسن الحنفي في كتابه (معتصر المختصر)، وهو من علماء السُنّة؛ إذ قال فيه: (والكلام لخطاب أزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) تم إلى قوله: ﴿وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ﴾(2), وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ استئناف تشريفاً لأهل البيت وترفيعاًَ لمقدارهم؛ ألا ترى أنّه جاء على خطاب المذكر فقال: ﴿عَنْكُمُ﴾ ولم يقل: (عنكنّ)؟! فلا حجّة لأحد في إدخال الأزواج في هذه الآية..


1- النحل (١٦): ٤٤.

2- الأحزاب (٣٣): ٣٣.

الصفحة 66
يدلّ عليه: ما روي أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا أصبح أتى باب فاطمة فقال: (السلام عليكم أهل البيت، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً))(1). انتهى كلامه؛ فإنّه كلام حقّ قلَّ من نطق به.

وأخيراً، فلعلّ وضع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لهذه الآية وسط آيات خطاب الله تعالى ورسوله لنسائه (قبلها وبعدها)، إنّما كان للتمييز فيما بين نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام)، المتماثلين بالقرب منه، والصلة به، والملاصقة له(صلى الله عليه وآله وسلم) ..

فنساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قد طُلب منهنّ الالتزام بأوامر الله تعالى، والحذر من مخالفتها؛ فإنّهن لسن كغيرهنّ من النساء، فيجب عليهنّ الالتزام أكثر من غيرهنّ, لأنّهنّ لا يمثّلن أنفسهنّ فحسب، وإنّما ينتمين إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ويُحسبن عليه, فيجب عليهنّ عدم الإساءة إليه بتصرّفاتهنّ غير المسؤولة..

فقد قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾(2)، أي: تذكّرن وانتبهن للتعاليم التي خرجت إلى الناس من بيوتكنّ، فأنتنّ أولى بتذكّرها وذكرها, وذلك بعد تخييرهنّ واختيارهنّ الله ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) , فكأنّ تلك الآيات الشريفة شروط وخطوط يبيّنها الله تعالى لهنّ، وأوجبها عليهنّ.

أمّا الخطاب الذي ذكر أهل البيت(عليهم السلام) فكان خطاباً يختلف عن ذلك الخطاب المتوجّه إلى نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فأهل البيت(عليهم السلام) ذكروا في هذه الآية مدحاً، ورفعاً لشأنهم، كما قال أبو المحاسن، ودون قيد أو شرط, فيكون ذكر شطري قرابة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لبيان حالهم والتمييز بينهم.

وبيان حالهم نكتة لطيفة من الله تعالى في جمعهم بمكان واحد؛ فقد يساء لأهل البيت(عليهم السلام) بالفهم الخاطئ بسبب التنديد الوارد في النساء ومطالبتهنّ بالالتزام


1- معتصر المختصر ٢: ٢٦٧، في باب أهل البيت.

2- الأحزاب (٣٣): ٣٤.

الصفحة 67
وتذكّر أحكام الله، وعدم إيذاء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) والتضييق عليه، فيدخلهم في ذلك التخيير من الله ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنّه يشملهم وأنّهم مطالبون بتذكر آيات الله وعدم مخالفتها, فلذا جيء بهذه الجملة المعترضة والآية الكريمة في وسط ذلك الجو لينزه أهل البيت(عليهم السلام) عن ذلك العتاب وذلك الإلزام وتلك الشروط, ويدفع ذلك التوهم بمدحهم مدحاً عظيماً مؤكداً ومخصّصاً لهم بذلك الفضل دون من سواهم, والله العالم.

وأمّا ما ذكرته عن البخاري، فغير دقيق؛ لأنّ البخاري لم يروِ حديث الكساء، وإنّما رواه مسلم.

تعقيب:

«د. أبو خديجة ــ سوريا ــ مستبصر»

بسم الله وله الحمد، والصلاة والسلام على النبيّ المصطفى محمّد وآل بيته الطيّبين الطاهرين، موضع سرّه وعيبة علمه، وغاية منّه وطوله، فله الحمد بما منّ وتفضّل على عباده المؤمنين.

اللّهمّ عجّل لوليّك الفرج، وسهّل له المخرج، وارزقنا شفاعته وخيره ودعاءه.

إنّ ورود هذه الآية في القرآن الكريم ضمن آيات تتعلّق بزوجات الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ، أدّى لكثير من التأويل في دلالاتها من قبل علماء العامّة؛ فمنهم من قال: بخصوصيتها بزوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومنهم من قال: بل تشمل الآية الكريمة رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، ومنهم من ذهب أبعد من ذلك بقوله: أنّها تشمل بالإضافة لزوجاته عليه الصلاة والسلام وعليّ وفاطمة والحسنان(عليهم السلام)، كلّ قرابة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من بني هاشم، رجماً بالغيب،

الصفحة 68
خلافاً للحقّ والمنطق، ومخالفة لسُنّة النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) الصحيحة المتواترة مع ادّعائهم التمسّك بالسُنّة، ولذا أطلقوا على أنفسهم: أهل السُنّة والجماعة.

ولا شكّ في أنّ القارئ المنصف لهذه الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة والواردة في كتب أهل السُنّة والجماعة، يجد أنّ هناك عناية خاصّة من قبل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان مَن هم أهل البيت المقصودين في هذه الآية الكريمة، درءاً للخلاف ومنعاً للتأويل، والقول بالرأي الشاذّ والتعصّبات المنحرفة التي أدّت لهوان أهلها ووقوعهم في الفتن، فضلّ من تبعها إلى يوم الدين، ولم يفهم ما جاء به الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الأحاديث الشريفة سوى أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، فأشاعوا هذا الفهم ونادوا به، فاصطدموا بفهم المخالفين ونصب الناصبين الذين أبوا إلّا أن يكذبوا قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويكذّبوا أمّهات المؤمنين اللاتي روين الحديث، ويكذّبوا صحاحهم ورواتهم.

فوا عجبي ممّن هانت عليه نفسه، وأغلق عقله، وصغى قلبه عن الحقّ، فضلّ وغوى، وفي جرفٍ هارٍ هوى!

وقد بيّن أئمّتنا(عليهم السلام) وعلماؤنا المتقدّمون والمتأخّرون رضوان الله عليهم أجمعين، أنّ الآية إنّما تختصّ بالخمسة أصحاب الكساء، وهم: فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها، صلوات الله عليهم أجمعين، وجاؤوا بأدلّة كثيرة كافية وافية لمن أراد معرفة الحقّ.

وأسأل الله التوفيق والقبول فيما أقول في الردّ على المخالفين في قولهم: أنّ الآية الشريفة تشمل زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) :

الصفحة 69
أخي المسلم المنصف! كلّنا يعلم أنّ سورة الأحزاب المباركة نزلت قبل وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بسنوات عديدة، ولو أنّ الآية الكريمة موضوع البحث تشمل زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهذا يعني أنّ الله عزّ وجلّ قد دفع عنهنّ الذنوب، فكنّ ممّن اختار وحفظ وصان بأمر إلهي، لا يجوز لأحد من البشر أن يخرق هذا الحجاب الإلهي والأمر الربّاني، وإن كان الأمر كذلك فما كان لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يخالف أمر ربّه (والعياذ بالله) في طهارة زوجاته الواردة في الآية كما تزعمون، عندما وصفهنّ بـ(صويحبات يوسف) في مرض وفاته (تنزّه عن ذلك) صلوات الله عليه.

إلّا أن تقولوا كما قال سلفكم: «إنّه يهجر»! أو: «اجتهد فأخطأ» ــ سبحان الله عمّا تصفون ــ فله أجر! كما هو شأنكم في تبرير ضلالات وانحرافات أئمّتكم.

وأنت تعلم أخي المسلم من هنّ صويحبات يوسف(عليه السلام)، تلكم النسوة الغاويات اللاتي مُلئت قلوبهنّ وعقولهنّ الشهوة الضالّة، ففتنّ بجمال يوسف(عليه السلام) وراودنه عن نفسه، فكنّ مثلاً للذنب والرجس، حيث قطّعن أيديهنّ شغفاً عندما ظهر بينهنّ يوسف(عليه السلام)، لجماله وطلعته البهيّة.

فهل تحتوي صحاحكم على الكذب؟

ولا تعجل أخي المسلم فتستنكر هذا القول، وتبدأ كعادتك في تكذيب الخبر والشتم، فتحمّل نفسك ما لا تطيقه من الذنوب والآثام، فإليك مصادر هذا الحديث ونصّه من أصحّ كتب الحديث لديكم:

ــ صحيح البخاري (باب الرجل يأتمّ بالإمام ويأتمّ الناس بالمأموم).

ــ صحيح البخاري (باب أهل العلم والفضل أحقّ بالإمامة).

ــ صحيح مسلم، بشرح النووي.

الصفحة 70
ــ صحيح الترمذي (باب مناقب أبي بكر).

ــ (مسند أحمد).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، اللّهمّ تقبّل منّا، واقبلنا، واجعلنا من أتباع الحقّ وأهله، وثبّتنا عليه.

اللّهمّ صلّ على نبيّ الهدى محمّد وآل بيته الطيّبين الطاهرين.

(تغاير آيتي التطهير والتخيير في سبب ووقت النزول)

« عبد الله شيال الزيدي ــ العراق ــ إمامي »

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أرجو بيان ما يلي:

١ــ تاريخ نزول الايات المتحدّثة عن ازواج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في سورة الأحزاب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾(1) إلى قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً﴾(2).

٢ــ تاريخ نزول مقطع التطهير في هذه الآيات: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾(3).


1- الأحزاب (٣٣): ٢٨.

2- الأحزاب (٣٣): ٣٤.

3- الأحزاب (٣٣): ٣٣.

الصفحة 71
٣ــ سبب النزول لكلتي الآيتين: آيات نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ومقطع التطهير.

جزاكم الله خير جزاء المحسنين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

لا شكّ أنّ هناك مغايرة في سبب نزول آية التخيير وآية التطهير، فالسبب الذي يذكروه لآية التخيير هو: أنّ نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) سألنه شيئاً من الدنيا، ولم يكن عنده، وطلبن منه زيادة في النفقة، وآذينه بغيرة بعضهنّ من بعض فانزل الله تعالى آية التخيير(1). وقال الشامي في (سبيل الهدى والرشاد): «إنّ نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) سألنه في عرض الدنيا ومتاعها أشياء، وطلبن منه زيادة في النفقة، وآذينه بغيرة بعضهنّ من بعض، فهجرهنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وآلى على نفسه، أي: حلف، لا يقربهنّ شهراً، ولم يخرج إلى أصحابه، فقالوا: ما شأنه؟ وكانوا يقولون: طلّق رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال عمر: لأعلمنّ لكم شأنه... » (2)؛ وقيل في زمن نزول آية التخيير: أنّه حصل بعد الفتح، كما أشار إلى ذلك المقريزي في (إمتاع الأسماع)(3).

أمّا آية التطهير فكان نزولها في بيت أُمّ سلمة أو فاطمةI عندما جمع الحسن والحسين وعليّ وفاطمة معه صلوات الله عليهم أجمعين تحت الكساء، لذا لا شكّ في اختلاف الواقعتين وإن صعب تحديد أيّهما الأسبق.


1- انظر: تفسير السمعاني ٤: ٢٧٥ قوله تعالى: ((أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ...)).

2- سبل الهدى والرشاد، للشامي ٩: ٦٢ جامع أبواب سيرته الباب (٤).

3- إمتاع الأسماع ١٣: ٧٢، فصل في ذكر خصائص رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الواجب المتعلّق بالنكاح.

الصفحة 72

(ردّ على إشكالات بعض الوهّابية على آية التطهير)

« أبو عقيل ــ السعودية ــ إمامي »

السؤال:

ــ بطلان استدلال الشيعة بحديث الكساء على إمامة عليّ وعصمة آل البيت.

ومن الأدلّة التي يستدلّون بها على الإمامة: آية التطهير، وآية التطهير هي قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾(1).

يقولون: إنّ أهل البيت هم: عليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين؛ بدلالة حديث الكساء.

حديث الكساء: ترويه أُمّ المؤمنين عائشة التي يزعمون أنّها تبغض آل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهذا الحديث يخرجه الإمام مسلم، الذي يزعمون أنّه يكتم أحاديث في فضائل آل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) .

عائشة تروي: أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) جاءه عليّ فأدخله في عباءته ــ أي: في كسائه ــ ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاءه الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ جلّلهم ــ أي: غطّاهم ــ صلوات الله وسلامه عليه بالكساء، ثمّ قال: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، اللّهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً)، فقالوا: هذا الحديث يفسّر الآية، وهي قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ


1- الأحزاب (٣٣): ٣٣.

الصفحة 73
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾.

ثمّ الاستدلال الآخر: وهو أنّ إذهاب الرجس والتطهير أي (يعني) العصمة، فيكونون بذلك معصومين، ويكون عليّ(رضي الله عنه) معصوماً، وكذا الحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين، فإذا كان الأمر كذلك فهم إذاً أوْلى بالإمامة من غيرهم، ثمّ أخرجوا فاطمة(رضي الله عنها)، وقالوا: إنّ الإمامة في عليّ والحسن والحسين، ثمّ في أولاد الحسين، كما هو معلوم عند الكثيرين.

هذه الآية، هل هي فعلاً في عليّ وفاطمة والحسن والحسين(رضي الله عنهم) أو في غيرهم؟

اقرؤوا ما قبل هذه الآية، تدبّروا القرآن، فنحن لا نريد أكثر من ذلك، أفليس الله تبارك وتعالى يقول: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾(1)؟ ويقول: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾(2)؟ إنّ هذا الخطاب من الله جلّ وعلا ليس متوجّهاً فقط إلى أُناس معنيين هم الذين يحقّ لهم أن يتدبّروا القرآن، بل إنّ الله تعالى يطلب من جميع المسلمين ــ بل ومن غير المسلمين ــ أن يتدبّروا القرآن، ويتعرّفوا على الله جلّ وعلا من خلال هذا القرآن؛ فإنّهم إذا قرؤوا القرآن وتدبّروه وعرفوه حقّ المعرفة وعرفوا قدره ومكانته لن يجدوا بُدّاً من الانصياع إليه واتّباعه والإقرار بكماله وحسن رصّه، وغير ذلك من الأمور.

كذلك الأمر هنا، نحن لا نريد منكم أكثر من أن تتدبّروا القرآن ــ أنا


1- محمّد (٤٧): ٢٤.

2- النساء (٤): ٨٢.

الصفحة 74
أعنيكم يا عوام الشيعة ــ دعوا علماءكم جانباً، ارجعوا إلى كتاب ربّكم جلّ وعلا واقرؤوه، وافتحوا هذا القرآن الكريم، على سورة الأحزاب، فعندما نفتح الآن على سورة الأحزاب في الجزء الثاني والعشرين، سنجد أنّ الله تبارك وتعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً _ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً _ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً _ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً _ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً _ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً _ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً﴾(1).

نجد أنّ كلّ الآيات متناسقة، آيات في نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، يقول الله: ﴿يَا نسَاءَ النبيّ﴾, ﴿وَقَرنَ في بيوتكنَّ وَلا تَبَرَّجنَ﴾، ثمّ قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً _ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ﴾، فنجد الآيات في نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) .

فكيف لأحد أن يدّعي بعد ذلك أنّ هذه الآية، بل هذا المقطع من الآية


1- الأحزاب (٣٣): ٢٨ــ٣٤.

الصفحة 75
ــ لأنّ قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ ليست آية إنّما هي جزء من آية ﴿وَقَرنَ في بيوتكنَّ﴾، تلكم الآية ــ فكيف تقبلون في كلام الله جلّ وعلا أن يكون الخطاب لنساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) : ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾، ثمّ يقول: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾... ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً _ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، يا عليّ.. يا فاطمة.. يا حسين! ثمّ يعود مرّة ثانية: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ﴾؟

ما الذي أدخل عليّاً والحسن الحسين وفاطمة في خطاب موجّه لنساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

ما مناسبة هذه الفقرة بين هذه الآيات؟ لا توجد مناسبة.

ماذا علينا أن نفعل؟ هل نطعن في كلام الله، أو نطعن في الذين فهموا هذا الفهم وادّعوا دعوى غير صحيحة؛ لأنّ قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾؟

نقول: هذه دعوى باطلة، فهذه في نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ لذلك كان مجاهد رحمه الله تعالى ــ مجاهد بن جبر ــ يقول: (هي في نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن شاء باهلته) ــ أي في هذه الآيةــ .

ــ من هم آل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

القصد، هذه الآية هي في نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحديث الكساء لعليّ،

الصفحة 76
وفاطمة، والحسن، والحسين، وبهذا نجمع بين الأمرين: أنّ عليّاً وفاطمة، والحسن والحسين من آل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، بدليل حديث الكساء، وأزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من آل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، والدليل الآيات المذكورة سابقاً. وغيرهم يدخل أيضاً في آل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، كـالفضل بن العبّاس، والمطّلب بن ربيعة بن الحارث ابن عمّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ وذلك لأنّه لمّا منعهما من الزكاة أن يكونا عاملين عليها وقال: (إنّها لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد)..

ويدخل كذلك في آل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : آل جعفر، وآل عقيل، وآل العبّاس، بحديث زيد بن أرقم(رضي الله عنه) وأرضاه.

فَقَصر هذه الآية على عليّ والحسن والحسين وفاطمة، لا يستقيم معه نصّ الآية، ولذلك نقول: إنّ هذا القول مردود.

ــ حلّ إشكال ورد شبهة:

هنا إشكال وهو: إذا كان الأمر كذلك؛ وهي في نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فما مفهوم: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ﴾ولم يقل: عنكنّ؟ وهذا هو الذي يدندنون عليه!

لماذا قال: (عنكم)، ولم يقل: عنكن؟ وهذه قد ذكر أهل العلم لها معان كثيرة، منها:

أوّلاً ــ وهو أصح هذه الأقوال ــ: إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) داخل معهنّ، وذلك أنّ الخطاب كان للنساء، ثمّ لمّا تكلّم على البيت دخل سيّد البيت، وهو: محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فإذا دخل صلوات الله وسلامه عليه مع النساء في الخطاب، فطبيعي جدّاً أن تُلغى نون النسوة وتأتي بدلها ميم الجمع: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾، أي: يا نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ومعكنّ سيدكنّ

الصفحة 77
رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) . وتصحّ أيضاً لِما قال الله تبارك وتعالى عن امرأة إبراهيم: ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾(1) وهي امرأة إبراهيم، لمَ جاء بميم الجمع هنا: (عليكم) ولم يقل: (عليكنّ)، ولا (عليك) أيضاً؟ وإنّما (عليكم) يريد أهل البيت، يريد مراعاة اللفظ، واللفظ: (أهل).

وعلى كلّ حال؛ إنّ نون النسوة هنا لم يؤت بها؛ لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) دخل معهنّ.

ــ عدم دلالة آية التطهير على عصمة آل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) :

كذلك بالنسبة للتطهير، الله سبحانه يريد أن يذهب الرجس، ويريد أن يطهّر سبحانه وتعالى، فهل هم مطهّرون خلقة، أو يريد الله الآن أن يطهّرهم؟

القوم يدّعون أنّهم مطهّرون خلقة ــ أي: خلقوا مطهّرون ــ فإذا كانوا خلقوا مطهّرين فما معنى قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾ بعد أوامر ونواه؟ قال: يريد أن يذهب عنكم الرجس ــ أي: طهّركم وأذهب عنكم الرجس ــ؟

إذاً: ما معنى حديث الكساء، وهو: (أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) جلّلهم بالكساء، ثمّ قال: اللّهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً)، لماذا يدعو؟ وبماذا يدعو.. بإذهاب الرجس الذي هو أصلاً ذاهب عنهم؛ لأنّهم مطهّرون خلقة؟! فكيف النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يطلب من الله أن يذهب عنهم الرجس؟ تحصيل حاصل لا ينبغي أن يكون من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) .

إذاً هذه الآية لا تدلّ على العصمة، كيف تدلّ على العصمة وعليّ(رضي الله عنه)


1- هود (١١): ٧٣.

الصفحة 78
يقول: (وإنّي لست في نفسي بفوق أن أُخطئ، ولا آمن من أن يقع منّي ذلك)، يقول ذلك في الكافي الجزء الثامن صفحة ٢٩٣؟

ويقول للحسن ابنه: (ثمّ أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم)، وهذا في نهج البلاغة صفحة ٥٧٦.. وقال له أيضاً: (فاعلم أنّك إنّما تخبط خبط العشواء، وتتورّط الظناء)، وهذا في نهج البلاغة صفحة ٥٧٧.. وقال له كذلك: (فإن أشكل عليك من ذلك ــ يعني أمر ــ فاحمله على جهالتك به، فإنّك أوّل ما خلقت جاهلاً ثمّ علمت، وما أكثر ما تجهل من الأمر، ويتحيّر فيه رأيك، ويضلّ فيه بصرك)، وهذا في نهج البلاغة صفحة ـ٥٧٨ـ.

وهذا من يسمّونه بـ(الشهيد الثاني): زين الدين بن علي العاملي، يقول: (فإنّ كثيراً منهم ما كانوا يعتقدون بعصمتهم لخفائها عليهم، بل كانوا يعتقدون أنّهم علماء أبرار)، وهذا في حقائق الإيمان صفحة: ١٥١.

ــ معنى الرجس:

يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾، ما هو الرجس؟

الرجس: قال أهل اللغة: هو القذر.. الذنب.. الإثم.. الفسق.. الشكّ.. الشرك.. الشيطان، كلّ هذا يدخل في مسمّى الرجس.

وردت كلمة الرجس في القرآن في مواضع عدّة، فقد وردت في قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(1).


1- المائدة (٥): ٩٠.

الصفحة 79
وقال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾(1).

وقال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾(2).

وكذلك يقول سبحانه وتعالى على الكفّار من اليهود: ﴿قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾(3).

ويقول تعالى: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ﴾(4).

وجاءت آيات أُخرى تبيّن معنى الرجس، وهو: الإثم.. الذنب.. القذر.. الشكّ.. الشيطان.. الشرك، وما شابهها من المعاني؛ ولذلك جاء عن جعفر الصادق رضي الله عنه ورحمه، أنّه قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾، قال: هو الشكّ, وقال الباقر: (الرجس: هو الشكّ، والله).

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

هذه الشبهات المطروحة ليست جديدة، وقد تقوّلها عثمان الخميس في كتاب (حقبة من التاريخ) منذ سنين، ونحن نجيب عليها بالإضافة إلى ما


1- الأنعام (٦): ١٢٥.

2- الأنعام (٦): ١٤٥.

3- الأعراف (٧): ٧١.

4- التوبة (٩): ٩٥.

الصفحة 80
أُجيب عنها سابقاً:

ما ذنب الشيعة والأحاديث الصحيحة صريحة في هذا المعنى المتنازع عليه، بأنّ أهل البيت هم: عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) ، بالإضافة إلى سيّد البيت النبيّ المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) !

فهذه رواية عائشة في مسلم(1) التي حكت فعل النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بأصحاب الكساء(عليهم السلام) ثمّ تلاوته لآية التطهير من سورة الأحزاب، تعاضدها النصوص الصحيحة التي رواها أئمّة السنن والآثار، حين نقلوا قول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وبطرق مختلفة: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي) حين جلّلهم بالكساء، وحين قرأ آية التطهير عليهم خاصّة..

وهذا اللفظ منه(صلى الله عليه وآله وسلم) يفيد الحصر وتعيين المذكورين فقط بأنّهم أهل البيت دون غيرهم. وقد نصَّ العلماء بأنّ تعريف الجزءين (هؤلاء، أهل بيتي)يفيد الحصر(2).

وقد صرّح جمع من علماء أهل السُنّة بهذا المعنى أيضاً، أيّ: بأنّ المراد بأهل البيت هم: أصحاب الكساء(عليهم السلام) دون غيرهم، وفي هذا يقول الحاكم النيسابوري في كتابه، بعد أن ذكر جملة من الأخبار والروايات الصحيحة على شرط الشيخين، الصريحة في أنّ أهل البيت هم خصوص أصحاب الكساء(عليهم السلام) فقط، وأنّهم أيضاً المرادون بمصطلح: (آل محمّد)، دون غيرهم،


1- صحيح مسلم ٧: ١٣٠ كتاب (فضائل الصحابة)، باب (فضائل أهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ).

2- انظر: الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي: ٥٦٠ النوع الثاني والأربعون: قاعدة في التعريف والتنكير.

الصفحة 81
قال بعد إيراده لحديث كيفية الصلاة على أهل البيت: (وإنّما خرّجته ليعلم المستفيد أنّ أهل البيت والآل جميعاً هم)(1).

وفي هذا المعنى أيضاً يقول الآلوسي صاحب التفسير: (وأخبار إدخاله(صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً وفاطمة وابنيهما (رضي الله تعالى عنهم)، تحت الكساء، وقوله عليه الصلاة والسلام: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي) ودعائه لهم، وعدم إدخال أُمّ سلمة أكثر من أن تحصى، وهي مخصّصة لعموم أهل البيت بأيّ معنى كان البيت، فالمراد بهم: من شملهم الكساء، ولا يدخل فيهم أزواجه(صلى الله عليه وآله وسلم) )(2).

وأمّا الجواب على الاحتجاج بوحدة السياق، وأنّ هذه الآية الكريمة وردت ضمن آيات جاءت تتحدّث عن نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيكون المراد بأنّهنّ المقصودات بهذه الآية الكريمة، بالإضافة إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ لمحلّ التذكير في الضمائر (عنكم)، الذي يستفاد منه الشمول للذكر والانثى..

فنقول: إنَّ من الضروري للاستدلال بوحدة السياق لهذه الآيات، بل وللاستدلال بها في كلّ آيات القرآن الكريم إثبات نزول الآيات المستدلّ بها دفعة واحدة، وفي مناسبة واحدة، ليكون بعضها قرينة على بعضها الآخر، وأمّا احتمال تعدّد الكلام في مناسبات مختلفة، فهو ينسف الاستدلال بوحدة السياق، ولا يمكن إثبات المدّعى في هذا المقام وفي كلّ مقام..

ومن المعلوم أنّ ترتيب الآيات القرآنية في المصحف الشريف لم يكن بحسب التسلسل الزمني لنزولها، فرُبّ آية مدنية وضعت بين آيات مكّية


1- المستدرك على الصحيحين ٣: ١٤٨ من مناقب أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) .

2- تفسير روح المعاني ٢٢: ١٣ في تفسير قوله تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ...)).

الصفحة 82
وبالعكس.. وهذا الأمر يمكن ملاحظته بأدنى مراجعة لأسباب نزول الآيات التي ذكرها العلماء في الكتب الخاصّة بهذا الشأن.

وفي مقامنا: من العسير جدّاً إثبات نزول آية التطهير (وهي الآية ٣٣ من سورة الأحزاب) مع الآيات الواردة في نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل هناك من الأدلّة ما يشير إلى نزول آية التطهير قبل آيات نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال السيوطي: (أخرج ابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري(رضي الله عنه)، قال: لمّا دخل عليّ(رضي الله عنه) بفاطمة(رضي الله عنها) جاء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أربعين صباحاً إلى بابها يقول: (السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمكم الله، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾, أنا حرب لما حاربتم، وأنا سلم لمن سالمتم))(1).

فإذا علمنا أنّ زواج فاطمة(عليها السلام) من عليّ(عليه السلام)كان بعد رجوع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، كما يروي ذلك أبو الفرج الإصفهاني(2)، أو على رأس اثنين وعشرين شهراً من الهجرة، بحسب رواية الطبري عن الواقدي(3)..

وعلمنا أيضاً أنّ نزول الآيات المرتبطة بنساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) كان بعد زواج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بمجموعة منهنّ، بل ذهب بعض المفسّرين إلى كونهنّ تسعة عند نزول هذه الآيات(4)، ولم يختلف أحد في وجود (حفصة) آنذاك، وأنّها


1- الدرّ المنثور ٥: ١٩٩ سورة الأحزاب.

2- مقاتل الطالبيين: ٣٠ (الحسن بن علي).

3- تاريخ الطبري ٢: ١٧٧ غزوة السويق.

4- انظر: السيوطي في الدرّ المنثور ٥: ١٩٥ في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ)).

الصفحة 83
من جملة النساء اللآتي خيّرهنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بين الدنيا والآخرة.. وقد صرّح الطبري وغيره أنّ زواج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من حفصة كان في السنة الثالثة من الهجرة قبل الخروج إلى أُحد(1)، أي أنّه متأخّر عن زواج فاطمة(عليها السلام) بما يقارب السنة الواحدة..

فيتبيّن لنا من ملاحظة هذين الأمرين ــ أي: من تاريخ زواج عليّ من فاطمة(عليهما السلام)، وتاريخ زواج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من حفصة ــ أنّه لا يمكن المصير إلى القول بأنّ آية التطهير قد نزلت دفعة واحدة مع آيات نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) .

وهذا الإشكال الوارد على وحدة السياق لهذه الآية مع تلك الآيات إن ثبت على نحو الجزم، فهو مانع من الاستدلال به في المقام، وإن لم يثبت على نحو الجزم، فلا أقل من كونه احتمالاً مانعاً من تمامية الاستدلال بوحدة السياق في المقام.

وأيضاً يوجد هناك أمران آخران يمنعان من الاستدلال بوحدة السياق لهذه الآيات الكريمات:

الأوّل: عدم وحدة الخطاب بينها، أي بين آيات النساء وآية التطهير، فالملاحظ أنّ المولى سبحانه أرجع الإرادة في آيات النساء إليهنّ لا إليه عزّ وجلّ، إذ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا... وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ﴾(2)، بينما في آية التطهير كان الخطاب يحكي عن تعلّق الإرادة الإلهية ذاتها بالتطهير وإذهاب الرجس عن أهل البيت(عليهم السلام)، فقد قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ


1- تاريخ الطبري ٢: ١٨٦ مقتل أبي رافع اليهودي.

2- الأحزاب (٣٣): ٢٨ــ٣٠.

الصفحة 84
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾(1).

الثاني: إنّ آيات النساء وردت في سياق الزجر والتحذير، بينما آية التطهير ــ بالاتّفاق ــ قد وردت في سياق المدح والتفضيل، وشتّان بين السياقين إذا اعتبرنا أنّ المخاطب في كلا الموردين واحد وليس متعدّداً.

وبشكل عام لكي يتم الاحتجاج بوحدة السياق بين آيات ما، في القرآن الكريم، يحتاج إلى شيئين: الأوّل: الوحدة في النزول، الثاني: الوحدة في الخطاب.. وهما مفقودان في المقام.

وأمّا دعوى أنّ مجاهد بن جبر كان يقول: (هي في نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن شاء باهلته).. فالصحيح أنّ هذا الرأي هو لعكرمة مولى ابن عبّاس، كان يجاهر به، وينادي به في الأسواق.

وعكرمة معروف بانحرافه عن أمير المؤمنين(عليه السلام) وأهل بيته؛ لأنّه كان يرى رأي الخوارج، والنصب ظاهر من كلماته وألفاظه في هذه المسألة، وإلّا.. فأيّ شيء يستدعي إجراء المباهلة لغرض بيان تفسير آية من آيات القرآن، أنّها نزلت في فلان دون فلان سوى النصب والعداء الذي كانت تجاهر به الخوارج اتّجاه أمير المؤمنين(عليه السلام) خاصّة، وأهل البيت(عليهم السلام) عامّة، وبالذات رأي نجدة الحروري ــ الذي كان عكرمة يرى رأيه ــ الذي يُعدّ أشدّ الآراء بغضاً لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ، بالإضافة إلى تكفير جميع المسلمين من غير الخوارج.

وقد اشتهر عن عكرمة أيضاً كذبه ووضعه للحديث، لذا وصفه يحيى بن


1- الأحزاب (٣٣): ٣٣.

الصفحة 85
سعيد الأنصاري بأنّه: كذّاب(1)، فمن المعيب، بل من الإجحاف الركون إلى هذا الرأي الصادر عن هذا الكذّاب الناصبي، وترك تلك النصوص الصريحة المستفيضة الصادرة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في تفسير آية التطهير بالخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام) دون غيرهم..

مع أنّ في قوله ــ أي عكرمة ــ دلالة على أنّ المسلمين كافّة كانوا على خلاف في ذلك، ولذلك كان يقول: (ليس ما تذهبون إليه...) ثمّ يطلب المباهلة(2).

وفي دعوى عود ضمير الجمع ﴿عَنْكُمُ.. يُطَهِّرَكُمْ ﴾إلى ما يشمل الذكور ــ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ــ بالإضافة للزوجات، وأنّه جاء على لسان الخطاب مع زوجة إبراهيم(عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾(3).

نقول: إنّ استفهام الملائكة من تعجّب سارة زوجة إبراهيم(عليه السلام) إنّما كان لقرابتها منه(عليه السلام) ولاصطفائها، وهذا المعنى يتطابق مع الواقع الخارجي لسارة ــ لكونها ابنة عمّ إبراهيم(عليه السلام) ــ وأيضاً مع المدلول اللغوي لكلمة (أهل بيت الرجل)، التي نصّ اللغويون على أنّ المراد منها: ذو قرباه ومن يجمعه وإياهم نسب(4) ــ أي قربى الرجل الذي نسبوا على أنّهم من أهل بيته ــ ولا شكّ أنّ الارتباط


1- انظر: ترجمة عكرمة في: ميزان الاعتدال، للذهبي ٣: ٩٣ عكرمة مولى ابن عبّاس، المعارف، لابن قتيبة: ٤٥٥ عكرمة مولى ابن عبّاس.

2- الدرّ المنثور ٥: ١٩٨ قوله تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ...)).

3- هود (١١): ٧٣.

4- مفردات الراغب.

الصفحة 86
مع الرجل بوشيجة النسب أخصّ منه في وشيجة السبب ــ كالزواج وغيره ــ..

على هذا يكون الخطاب في (الآية ٧٣ من سورة هود) شاهداً على أنّ المراد بأهل البيت في (آية التطهير ٣٣ من سورة الأحزاب) هم: المرتبطون بالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من حيث النسب لا من حيث السبب، كما هو الشأن في سارة زوجة إبراهيم(عليه السلام) المرتبطة بإبراهيم(عليه السلام) ، من حيث النسب والسبب معاً لا بالسبب وحده.

ولو سلّم شمول آية التطهير لزوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بالاستناد إلى عموم اللفظ..

نقول: قد خُصّص هذا العموم بالأحاديث الصحيحة المتضافرة من السُنّة الشريفة بأنّ المراد بـ(أهل البيت) في الآية الكريمة هم: الخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام) دون غيرهم.. فلا يتم مطلوب المناهض لهذا الرأي على أيّة حال.

وأيضاً الاستدلال بأنّ أهل البيت يشمل آل جعفر وآل عقيل وآل العبّاس ــ كما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم(1) ــ لا يعدو أن يكون رأياً لزيد رآه لا يقوى على مناهضة الأحاديث الصحيحة الصريحة الواردة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، التي فسّرت أهل البيت بالخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام) دون غيرهم.

وهذا الرأي لزيد يمكن الاستدلال به على نفي أنّ المراد بأهل البيت: نساؤه(صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فإنّ لزيد بن أرقم في هذه المسألة روايتان، في واحدة منها ينفي أن يكون المراد بأهل بيته: نساءه، وفي الثانية يثبت فيها أنّ أهل بيته هم: من حرم الصدقة بعده، بالإضافة إلى إثباته بأنّ نسائه من أهل بيته، وقد يبدو التعارض والتناقض بين الروايتين!

ومن هنا قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: (وأمّا قوله في الرواية


1- صحيح مسلم ٧: ١٢٢، باب (فضائل عليّ (رضي الله عنه).

الصفحة 87
الأُخرى: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة. قال: وفي الرواية الأُخرى: فقلنا مَن أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا. فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض، والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنّه قال: نساؤه لسن من أهل بيته، فتتأوّل الرواية الأُولى على أنّ المراد أنّهنّ من أهل بيته الذين يساكنونه ويعولهم... ولا يدخلّن في من حرم الصدقة)(1). فالملاحظ من هذا الشرح أنّ الرواية المعروفة والمشهورة عن زيد أنّ نساءه لسن من أهل بيته, ولكن لورودها في صحيح مسلم على خلاف المعروف والمشهور ــ كما أشار النووي في شرحه ــ احتاجت إلى التأويل!

وقد فصل زيد بين أهل البيت بمعنيين: بين من يسكن معه في بيت واحد ويعولهم, وبين من حرم الصدقة بعده, فالمراد بأهل البيت في الحديث ــ الذي يرويه زيد ــ هم: مَن حرم الصدقة بعده، وهو المعنى الذي أراد بيانه ونصّ عليه شارح مسلم النووي..

ومن المعلوم أنّ نساءه(صلى الله عليه وآله وسلم) لا تحرم عليهنّ الصدقة بالإجماع، إذاً هنَّ لسن المرادات من مفهوم (أهل البيت) الوارد في حديث الثـقلين، وكذلك في آية التطهير، بل في كلّ الأحاديث الواردة في هذا الشأن.

وأمّا التساؤل عن معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ بعد أوامر ونواه: فهو أمر قد تبيّن حاله من الأجوبة السابقة، بأنّ آية التطهير لم يكن نزولها مع آيات النساء والمشتملة على تلك الأوامر والنواهي، وهو الأمر الذي اعتبرناه مؤشراً واضحاً على اختلاف السياقين،


1- صحيح مسلم بشرح النووي ١٥: ١٨٠ فضائل عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه).

الصفحة 88
وأنّ سياق (آية التطهير) هو سياق المدح والثناء، وهو الذي فهمه كلّ العلماء والمحدّثين، فأوردوا الأحاديث التي وردت فيها هذه الآية بحقّ أهل البيت(عليهم السلام) في باب مناقبهم وفضائلهم.. فتدبّر!

وكذلك الإتيان بلفظة ﴿يُرِيدُ ﴾في الآية لا تدلّ على وقوع المراد في المستقبل فقط، إذ يمكن أن يؤتى بصيغة الاستقبال ويراد بها الماضي والحال، كما في قوله تعالى: ﴿إنَّمَا يريد الشَّيطَان أَن يوقعَ بَينَكم العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ في الخَمر وَالمَيسر﴾(1)، مع أنّ الشيطان قد أوقع العداوة في الماضي بسبب الخمر، فلا تدلّ الآية على إرادة الوقوع في المستقبل فقط، مع أنّ اللفظ جاء بصيغة الاستقبال.. وأيضاً قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾(2), فالإرادة فيه للحال لا للاستقبال مع أنّ الصيغة صيغة استقبال.. وهكذا غيرها من الموارد المذكورة في القرآن الكريم؛ فراجع!

وكذلك كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا لهم بإذهاب الرجس والتطهير ــ كما في بعض نصوص هذه الروايات ــ لا يدلّ على أنّ الرجس كان ثابتاً عندهم والنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يطلب إذهابه، بل نقول: إنّ لسانه(صلى الله عليه وآله وسلم) هنا يجري مجرى قول القائل (أذهب الله عنكم كلّ مرض) مع أنّه لم يكن حاصلاً له أيّ مرض.

وما نُقل عن الشهيد الثاني في كتابه (حقائق الإيمان) بخفاء معنى العصمة عن كثير من أصحاب الأئمّة(عليهم السلام) (3)، ليس دليلاً على عدم الدليل؛ فقد يخفى


1- المائدة (٥): ٩١.

2- النساء (٤): ٢٨.

3- حقائق الإيمان: ١٥١ الأصل الرابع: التصديق بإمامة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين.

الصفحة 89
فهم الدليل على بعض ويدركه بعض آخر، وإلّا لما دعا المولى سبحانه إلى التدبّر والتفكّر في آيات الله، وسؤال أهل الذكر، ووصف قوماً بالراسخين في العلم دون غيرهم!

وأمّا قولهم: إنّ عليّاً(عليه السلام) نفى عن نفسه العصمة، كما هو الوارد في (نهج البلاغة) أنّه قال: (وإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن من أن يقع منّي ذلك...).

نقول: هذا النصّ الوارد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في نهج البلاغة فيه استثناء يدلّ على العصمة، ولكن غالب المستشهدين به يقتطعونه لغرض التلبيس على العوام! فقد قال(عليه السلام) بالنص ــ كما في النسخة المحقّقة والتي علّق عليها الشيخ محمّد عبده المصري ــ : (فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي إلّا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به منّي).

قال الشيخ محمّد عبده في تعليقته: (يقول: لا آمن من الخطأ في أفعالي، إلّا إذا كان يسّرَ الله لنفسي فعلاً هو أشد ملكاً منّي، فقد كفاني الله ذلك الفعل فأكون على أمن من الخطأ فيه)(1).

نقول: فهل كفى الله عزّ وجلّ أمير المؤمنين(عليه السلام) من نفسه ما هو أملك به منه، ويسّر له فعلاً هو أشدّ ملكاً منه ينتصر به على نفسه ويأمن الخطأ في فعله، كما هو مراد الاستثناء في كلامه(عليه السلام) الذي يغض عنه الطرف المغرضون عمداً وتعمية؟!

وفي الجواب، نقول: فليرجع هؤلاء إلى (نهج البلاغة) نفسه الذي استشهدوا


1- نهج البلاغة شرح محمّد عبده ٢: ٢٠١ من خطبة له (عليه السلام) بصفّين (٢١٦).

الصفحة 90
بهذه العبارة منه، وليستمعوا إلى أقوال أمير المؤمنين(عليه السلام) في هذا الجانب وليلاحظوا العبارات التي يعبّر بها (عليه السلام) عن نفسه بما يفيد نفس معنى العصمة الذي يقول به الإمامية له(عليه السلام).

قال(عليه السلام): (وإنّي لعلى بيّنة من ربّي، ومنهاج من نبّيي، وإنّي لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطاً)(1).

ويقول(عليه السلام) في كلام له وقد جمع الناس وحضّهم على الجهاد فسكتوا مليّاً: (لقد حملتكم على الطريق الواضح التي لا يهلك عليها إلّا هالك، من استقام فإلى الجنّة، ومن زلَّ فإلى النار)(2).

ويقول(عليه السلام) في كلام له لبعض أصحابه: (فإن ترتفع عنّا وعنهم محن البلوى، أحملهم من الحقّ على محضه)(3).

ويقول(عليه السلام): (ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) إنّي لم أردّ على الله ولا على رسوله ساعة قط)(4).

ويقول(عليه السلام) في كلام له ينبه فيه على فضيلته لقبول قوله وأمره ونهيه: (فوالذّي لا إله إلّا هو أنّي لعلى جادّة الحقّ وإنّهم لعلى مزلّة الباطل)(5).

ويقول(عليه السلام) في خطبته المسمّاة بـ (القاصعة)، التي ذكر فيها قربه من النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وملازمته إياه منذ الصغر: (وكان ــ أيّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ــ يمضغ الشيء


1- نهج البلاغة ١: ١٨٩ خطبة (٩٧).

2- نهج البلاغة ١: ٢٣٢ خطبة (١١٩).

3- نهج البلاغة ٢: ٦٤ خطبة (١٦٢).

4- نهج البلاغة ٢: ١٧١ ]١٩٧[.

5- نهج البلاغة ٢: ١٧٢ ]١٩٧[.


طباعة   البريد الإلكتروني