ولاية الفقيه

(وقت القراءة: 8 - 16 دقائق)

هل لولاية الفقيه حدود؟السؤال فيه نوع من العمومية فلاندري ماذا تقصد من الحدود ومن اي زاوية تنظر الي القضية ، من هنا نرسل اليك بحثين احدهما للسيد الحائري والاخر للشيخ مصباح اليزدي وكل منها بحث القضية من زاوية خاصة . قال السيد الحائري تحت عنوان"حدود ولاية الفقيه": نبحث في هذه المسألة عن حدود ولاية الفقيه والي أي حدّ تكون أوامر ولي الأمر نافذة؟ ونحصر الكلام في أمهات الأمور ونبحثها في مسائل أربع:المسألة الأولي:هل تشمل ولاية ولي الأمر موارد القطع بخطئه أم لا؟
وجواب ذلك، أن نفهم معني الولاية في المرتكزات العرفيّة والعقلائية. إذ لدينا ولايات عرفيّة عديدة، من قبيل ولاية الأب علي أبنائه. ومعني الولاية هنا هو أن يكون مقياس التشخيص هو رأي الولي لا رأي المولّي عليه.
وحسب التعبير الأصولي فإن باب (الولاية) غير باب (الحكم الظاهري والحكم الواقعي)، إذ أن الحكم الظاهري ينفذ لو لم نعلم بخطئه، وأما مع العلم بالخطأ فلا مجال للحكم الظاهري حينئذ.
وأمّا الولاية فليست حكماً ظاهرياً كي تقيّد بعدم العلم بالخطأ، وإنّما هي حكم واقعي. وعندئذ يصبح المقياس للمولي عليه هو رأي الولي حتي لو اعتقد المولي عليه بأنّ الولي قد أخطأ في تقديره للمصالح والمفاسد، وغير هذا ليس بولاية بل إمارة وحكم ظاهري.
وإن شئتم قلتم: إن الخطأ في الحكم لا معني له لأن حكم الحاكم واقعه هو هذا الحكم وليس كاشفاً عن حكم الشريعة.
لأن المفروض هو أن الشريعة لم تأت بحكم في مورد حكم الحاكم ولو أتت الشريعة بحكم في هكذا مورد لما احتجنا حكمه، فحكمه يعني أنّ الشريعة قد فوّضت الأمر إليه.
فإن كانت الشريعة قد فوّضت أمر الحكم إليه، فحقيقة الأمر وواقع الحكم الذي يريده الله هو نفس حكم هذا الحاكم، وإن اخطأ في تقديراته. وحينئذ لا معني لافتراض الخطأ في حكم ولي الأمر وعليه يجب اتّباعه، ومن هنا يتبيّن أن نفوذ حكم الحاكم لا يختصّ بمن لا يعلم خطأه بل يشمل كل واحد.
نعم إذا افترضنا أن أخطاء الحاكم قد كثرت الي الحدّ الذي أسقطه عن الكفاءة، فعندئذ، سيخرج هذا الحاكم عن كونه وليّاً لفقدانه شرطاً من شروط الولاية وهو (الكفاءة).

المسألة الثانية:
تتعلق بتحديد نسبة الفقهاء، بعضهم لبعض، بمعني أنّه لو حكم ولي الأمر بحكم، فهل يجوز لفقيه آخر أن يخالفه أو ينقض حكمه؟
وجواب ذلك يتمّ بطريقين هما:
الأول: هو القبول بمبدأ الانتخاب، فيقال ما دام الناس قد انتخبوا هذا الفقيه دون غيره من الفقهاء وقد تمّت البيعة والولاية له، فقد أصبح وليّاً علي الكلّ بما فيهم الفقهاء الآخرون، وإن كان هؤلاء الفقهاء قبل ذلك في عرض واحد مع هذا الفقيه المنتخب. ومن ثم لا يجوز للفقهاء الآخرين غير المنتخبين مخالفة أوامر ولي الأمر المعيّن.
الثاني: أننا حتي لو قبلنا بالنصب العام، وأنّ الفقهاء كلهم قد نصبوا من قبل الإمام (ع) نصباً عامّاً للنيابة عنه (ع) فإن حل المشكلة يتم عن طريق المقايسة بين مصلحة مخالفة أمر ولي الأمر بأمر آخر لفقيه آخر، وبين مفسدة شقّ عصا المسلمين.
فلو أمر الولي المنتخب بأمر، فالمتوقع أن الناس سوف تستجيب له وتطيع أمره باعتبار ما وضعته فيه من ثقة، ولو خالفه الفقيه الآخر الذي لم يحصل علي ثقة الناس أو حصل علي ثقة جماعة قليلة من الأمة، فإن ذلك سوف يؤدّي الي شقّ عصا المسلمين.
والفقيه أعرف من غيره بأن مفسدة شق عصا المسلمين أعظم من مصلحة مخالفة أمر الولي بأمر آخر وإن رأي أنّه مصيب في مخالفته إيّاه.
ولو كان الفقيه الآخر _غير المنتخب _ يري نفسه وليّاً علي الأمة حقاً لما فعل هذا، لأن أوّل مهام ولي الأمر هو حفظ مصلحة المولّي عليه، وقد خالف هذه المصلحة بعمله هذا _كما هو واضح _.

المسألة الثالثة:
هي مسألة متعلقة بمعني قول الإمام الخميني (قدس سره) (أنّ الحكم الولائي يتقدّم حتي علي الاحكام الأوليّة).
فلا يختص حكم الولي بالأحكام الثانوية ودائرة المباحات بل يتعدّاها ويتقدّم حتي علي الأحكام الإلزامية الأوّلية.
ولتوضيح معني قوله، نقول: إن الولي الذي تمّت ولايته شرعاً يتدخّل بالمباحات بلا إشكال، فيمكنه إلزام الأمة بفعل المباح أو بتركه وفق ما يراه من مصلحة.
فمثلاً، بإمكانه أن يحدّد سعر متاع معيّن ويلزم مالكه ببيعه بذلك السعر بعد أن كان مباحاً للمالك أن يبيعه وبأي سعر يراه، وأن هذا النوع من الإلزام لا يعارض ولا يزاحم الأحكام الأولية بالمرّة.
ولكن هنا يبقي مورد لإشكالين لابدّ من الإجابة عليهما هما:
الاول: قد يقال بأنّ مثل هذا التحديد للأسعار _في المثال السابق _ تصرف في أموال الناس، وقد يتمّ بدون رضاهم وذلك في حالة رفضهم لهذا التحديد (والناس مسلّطون علي أموالهم) _كما هو ثابت _ فيكون هذا العمل عملاً حراماً، والولاية لا تستطيع أن تحلّل الحرام لأن (حلال محمد (ص) حلال إلي يوم القيامة). ومثل هذا ما لو أجبرت الدولة مالك بيت علي تهديم بيته من أجل شق طريق عام خلاله وهو رافض لذلك، وما شابه ذلك من الموارد الأخري. فكيف يمكن أن تصبح مثل هذه الأمور اموراً صحيحة من الناحية الشرعيّة، وهل إن ولاية الفقيه فوق ولاية الله فيحلّل الفقيه ما حرّم الله؟
إن جواب هذا هو أن عمل الفقيه في مثل هذه الموارد وبالتحليل الفقهي ينحلّ الي عملين وإن كان ظاهراً قد قام بعمل واحد من قبيل إجبار صاحب البيت علي التخلي عن بيته أو صاحب المال علي بيع ماله. فهو مثلاً قد أمر صاحب البيت علي التخلّي عن بيته وبيعه من الدولة لكي يفتح طريق من خلاله، وهذا أمر جائز _أي البيع _ لأنه أمر بالمباح، إذ أنّ بيع البيت أمر جائز لصاحبه.
وإذا أمر ولي الأمر صاحب البيت ببيع بيته فإن صاحب البيت يكون ملزماً بهذا الأمر وينقلب الحلال حينئذ الي واجب بعد أمر الولي به. ولا يمكن إنكار هذا الحقّ للولي مطلقاً، إذ بإنكاره لا يبقي أي معني لولاية الولي. وبعدئذ، فلو باع المالك بيته فقد امتثل حكم الحاكم، ولو رفض وخالف وعصي الأمر الواجب الموجّه إليه فإنّه يكون قد ارتكب حراماً. وحينئذ يأتي العمل الثاني من عمل ولي الأمر وهو إجبار المولّي عليه علي ترك الحرام، والإجبار علي ترك المحرّمات وفعل الواجبات من جملة أعمال الولي. فيجبر المولي عليه _حينئذ _ علي ترك بيته والخروج عنه، ولا يكون هذا الإجبار عملاً محرّماً بالمرّة.
الثاني: ويبقي إشكال آخر في موارد (تحريم الواجبات) كغلق باب الحجّ مثلاً. فإن الحجّ واجب مع توفّر شروطه وغلق بابه علي المستطيع معناه تحريم الواجب، فهل يجوز للولي أن يحرّم الواجب؟
وجواب هذا هو: إنّ الولي كما يتصرّف في دائرة المباحات فيلزم بالفعل أو بالترك حينما يري مصلحة في ذلك، كذلك له أن يعمل فهمه ورأيه في تشخيص التزاحمات بين الواجبات والمحرمات.
فمثلاً، لو دار الأمر بين إنقاذ إمرأة مسلمة عارية من الغرق وهو أمر واجب وبين أن تمسّ يد المنقذ بدنها _وهو أجنبي عنها _ وهذا عمل محرّم، لقدّم هنا وجوب إنقاذها علي حرمة مسّ بدنها لأنّه الأهمّ. ومثله ما لو دار الأمر بين واجبين، كإقامة صلاة ضاق وقتها وإنقاذ غريق علي وشك الموت لقدّم إنقاذ الغريق وإن أدّي ذلك الي فوت الصلاة لأنّه الأهم.
وعلي العموم، فإن موارد وقوع هذه التزاحمات علي نوعين:
الأول: موارد فرديّة، وللفرد فيها دور تشخيص وقوع التزاحم ودور تشخيص الأهمّ من المهمّ، كما في مثال المصلي الذي تزاحم وقت صلاته مع وجود غريق بجانبه علي وشك الموت.
فله أن يشخّص وقوع التزاحم بين إقامة الصلاة وإنقاذ الغريق، وله أن يقرّر _ولو عن طريق التقليد _ أهميّة تقديم إنقاذ الغريق علي إقامة الصلاة.
الثاني: موارد اجتماعية، وللفقيه الولي وحده دور تشخيص وقوع التزاحم ودور تشخيص الأهم من المهمّ وتحديد الأولويات، ولو ترك الأمر لأفراد المجتمع عامّة لاختلفت الآراء ولعمّت الفوضي والاضطراب ولفسدت أمور المجتمع.
فللفقيه الولي، إذن، دور تشخيص التزاحم ودور التقديم، وأمره نافذ حتّي مع العلم والقطع بخطئه _كما قلنا سابقاً _.
وهذا هو معني قول الإمام الخميني (قدس سره) (أن حكم الفقيه يحكم حتي علي الأحكام الأولية) وليس مقصوده (قدس سره) أن للفقيه الحقّ مثلاً في إسقاط أصل الصلاة أو الصوم أو الحجّ عن الناس، بل له حق تشخيص التزاحمات بين الأحكام الأولية في القضايا الاجتماعية عند وقوعها، ومن ثم له حقّ تشخيص الأولويات منها وتقديمها علي غيرها.

المسألة الرابعة:
تتعلق بموارد إعمال الولاية من قبل الولي. وهذه الموارد علي أقسام:

أولاً: موارد النقص الفردي:
من قبيل الولاية علي القصر والأيتام والمحجور عليهم، وما شابههم من الذين لا وليّ لهم. فهذه الموارد، والتي هي من موارد النقص الفرديّة يملؤها ولي الأمر بإعمال ولايته فيها، ولا يشترط حينئذ مباشرته إياها بنفسه بل يكفي في ذلك أن يعيّن نائباً أو وكيلاً له في إنجازها.

ثانياً: موارد مالكيّة العنوان:
كعنوان الفقير مثلاً. فالزكاة ملك للفقير، والعنوان لا يمكن أن يتصرّف في هذا المال. وصاحب العنوان _وهم الفقراء _ في هذا المثال ليس لهم حقّ التصرّف؛ لأنهم لا يملكون المال إلا بعد التوزيع عليهم، فتصل النوبة عندئذٍ إلي الولي، فهو الذي له حقّ التصرّف في الزكاة ووضعها في محلها.
ومن هذه العناوين أيضاً عناوين الجهات المعنوية من قبيل منصب (الولاية) أو (السلطة).
وهذا المنصب، يملك أموالاً كالأنفال، والمنصب _كمنصب _ لا يعقل أن يتمكّن من التصرّف، فالذي يتصدّي عملاً لهذا الحقّ هو الولي علي هذا المنصب وهو شخص الإمام أو الوليّ الفقيه.
ومن هذه العناوين أيضاً العناوين المادّية من قبيل عنوان (الأوقاف) كوقف المساجد وما شابه ذلك.
فللمسجد أموال ولا يستطيع هو التصرف فيها، فإن عيّن في صيغة وقف المسجد متولّ لها فهو، وإلاّ فالولاية لولي الأمر.

ثالثاً: موارد القصور الاجتماعي:
فقد يتألف المجتمع من أفراد كلهم حكماء وعلماء _فرضاً _ ومع ذلك تبقي للمجتمع خصائص ومميزاته التي تغايره عن الفرد ولابدّ أن يبتلي بنواقص شئنا أم أبينا وهي:
1_ أن تشخيص المفاسد والمصالح الاجتماعية يتوقف علي كسب معلومات عن الوضع القائم. وهذه المعلومات لا تجتمع في المجتمع كمجتمع ما لم يكن للمجتمع مركز تتجمّع فيه المعلومات، وهذا المركز هو الذي يستطيع بعد ذلك تشخيص المصالح والمفاسد، وهو القيادة.
إن الشريعة الإسلامية لم ترجّح وضعاً من مثل الحرب أو السلم علي الاخر إلا وفق الظروف والملابسات التي تتوفّر وقت اتخاذ القرار. وإن استقراء حياة الرسول (ص) والأئمة (ع) يبيّن لنا أنّه قد صدر منهم كلا الأمرين، الحرب والسلم، فإذن لا يمكن أن نقول بأن الحرب أو السلم قد صدر من المعصوم(ع) ولم يصدر الأمر الآخر فنأخذ به مثلاً. وعلي ذلك، فإن مسألة اتخاذ القرار بهذا الشأن متوقفّة علي تجميع معلومات كثيرة، كأوضاع المنطقة بصورة عامّة، ووضع قوي الاستكبار فيها وقوة العدو، وقوة الجمهوريّة الإسلامية، والقدرة علي الاستمرار لدي العدو ولدينا، والإمكانيات البشريّة والمادّية لديه ولدينا... إلخ. فهل بالإمكان تجميع مثل هذه المعلومات في ذهن كل فرد من أفراد المجتمع. ومن ثم هل سيتفق أفراد المجتمع أم سوف يختلفون؟! وهل يكون لأحد تشخيص الوضع كاملاً ثمّ التصميم علي ما تمليه مجموعة الأوضاع غير وليّ الأمر؟! طبعاً الجواب بالنفي.
وعلي هذا فإن استنتاج الرأي الأصلح للأمة لا يتم إلا من خلال وجود ممثّل للمجتمع تتجمّع عنده هذه المعلومات ومن ثمّ يمارس هو عملية دراسة واتّخاذ القرار المناسب وذاك هو ولي أمر المجتمع، وهو الذي يملأ هذا النقص الاجتماعي.
2_ نقص وحدة الرأي:
فإن الأعمال الاجتماعية بحاجة الي رأي موحّد وإلاّ لم يمكن تمشيتها وبشكل سليم. والمجتمع كمجتمع لو لم يعط أمره بيد ولي يقوده لما أمكن توحيد الرأي فيه. وهذا النقص، يملؤه الولي الفقيه بما يصدره من أوامر وآراء بعد دراستها وتبيين المصالح والمفاسد فيها.
3_ تقديم المصلحة الاجتماعية علي المصلحة الفرديّة:
إذ أن المصالح الاجتماعية كثيراً ما تتضارب مع المصالح الفردية والتزاحم واقع قهراً بينهما. ولو كنا نحن والمقاييس الأولية فإن الفرد حرّ في اختياره، ولا داعي له لتضحيته بمصالحه الفردية في سبيل المصالح الاجتماعية ولا إلزام عليه في ذلك.
ولا يحل هذا التزاحم إلا بإصدار أمر تجب إطاعته شرعاً ويلزم به المولّي عليه، ولا يكون هذا إلا من خلال ولي الأمر الشرعي.

رابعاً: موارد المرافعات والقضاء وإقامة الحدود:
إن تقسيم القوي في الدولة الي قوة قضائية وقوة مشرّعة وقوة منفّذة تقسيم لا وجود له بحدّ ذاته في الإسلام. إذ عندنا قوة واحدة في الإسلام هي قوة الولاية وعندنا الإمام معصوماً كان أو من ينوب عنه، بيده كل هذه الأمور.
ولكن قد يري ولي الأمر أن من المصلحة في مقام التطبيق توزيع هذه القوي، فيوزّعها كما هو حاصل في الجمهورية الإسلامية في إيران فعلاً.
فالقضاء لا يجوز إلا لنبي أو وصي نبيّ أو من ينوب عنه. وما الخطابات الواردة في ذلك وفي مجالات إقامة الحدود، كخطابات الأمر بجلد الزاني، أو قطع يد السارق وما شابه ذلك، إلا خطابات موجّهة الي المجتمع كمجتمع لا كأفراد أي ليست هي من قبيل خطابات الأمر بالصلاة والصوم مثلاً، وهذه الخطابات _أي الموجّهة الي المجتمع كمجتمع _ خطابات وأوامر منتهية الي وليّ الأمر وعلي المجتمع تنفيذها من خلاله، لا أن يقوم بها كل فرد بمفرده.
خامساً: تنفيذ الأحكام والنُظم بطريق القوة والغلبة:
إذ علي من بيده زمام الامور إلزام الناس علي إقامة الواجبات وترك المحرّمات بالقوة، فيلزم تارك الصلاة وشارب الخمر وما شابه ذلك علي إقامة الواجبات وترك المحرمات، وعليه أيضاً تنفيذ الحدود والتعزيرات وما إلي ذلك بنفسه أو بتعيين القاضي المنفذّ لهذه الامور أو بأي أسلوب آخر.
هذا تمام ماذكره السيد الحائري في كتابه: المرجعية والقيادة.
------------
اما الشيخ مصباح اليزدي فقد بحث القضية من زاوية اخري حيث طرح مجموعة من الاسئلة وبعد بحث مفصل فيها خلص الي النتيجة ، وها نحن نذكر الاسئلة اولا ثم خلاصة الجواب ثانيا، حيث قال حفظه الله تحت عنوان (( سلطة الولي الفقيه خارج حدود البلد الخاضع لولايته )) :

تثار حول هذه المسالة} بعض{ الفروع منها مسائل جانبية تستدعي و وضع حل لها، و هي:

1 ـ إذا كان هناك فرد أو جماعة مسلمة تعيش في بلد غير اسلامي(خارج حدود البلد الاسلامي المفترض الذي يدار بنظام ولاية الفقيه )هل يجب عليها اطاعة الاوامر الحكومية للفقيه المذكور ام لا؟

ان لهذا السوءال كما يبدو فرضين :الاول هو :ان المسلمين المقيمين خارج البلد الاسلامي بايعوا الولي الفقيه، و الفرض الثاني :انهم لم يبايعوه.
2 ـ اذا كان هناك بلدان اسلاميان تبني احدهما نظام ولاية الفقيه و بايع الفقيه الجامع للشرائط،
فيما يدار البلد الثاني بنظام حكومي آخر، هل يجب علي شعب البلد الثاني اتباع الولي الفقيه للبلد الاول ام لا؟
و هنا ايضا يصدق الفرضان اعلاه(وهما بيعة و عدم بيعة الفرد او الجماعة المسلمة في البلد الثاني.)
3 ـ اذا اتخذ بلدان اسلاميان ولاية الفقيه كمنهج لنظام الحكم فيهما، و لكن عين شعب كل منهما فقيها خاصا به غير الفقيه في البلد الآخر، او اختار خبراء كل منهما فقيها غير فقيه البلدالآخر، فهل في مثل هذه الحالة يسري يحكم كل من الفقيهين ضمن حدود ولايته فحسب، ام يشمل شعب البلد الآخر، ام هناك موقف ثالث؟
علي الرغم من الفرض الوارد في هذه المسالة و هو ان اهل كل بلد بايعوا فقيها خاصا، و لكن في الوقت ذاته يمكن افتراض أن بعض اهالي احد البلدين قد بايع الفقيه الحاكم في البلد الآخر.
و من هنا يصدق الفرضان المذكوران في المسائل المتقدمة علي هذه المسالة ايضا.
النقطة الجديرة بالذكر هي أن المسالتين الاخيرتين افترضتا وجود بلدين اسلاميين مستقلين .فيما افترضت المسالة الاخيرة شرعية تعدد الولي الفقيه في بلدين متجاورين او غير متجاورين.
4 ـ إذا كان هناك أشخاص في البلد الذي يحكمه نظام ولاية الفقيه لم يبايعوا ذلك الولي الفقيه لسبب او آخر، فهل تطبق عليهم اوامره الحكومية ام لا؟وبعد ان بحث سماحته القضية من جميع ابعاده خلص الي النتيجة التالية فقال: نعود هنا للاجابة عن الاسئلة التي اثرناها في بداية البحث و هي:
مفاد السوءال الاول هو:اذاكان بلد اسلامي واحد يحكمه نظام ولاية الفقيه، هل يجب علي المسلمين الذين يعيشون في بلدان غير اسلامية اطاعة او امره الحكومية ام لا(طبعا فيما اذا كانت اوامره تشملهم ايضا)؟
جواب هذا السوءال وفقا للمبدا الاول( اي ثبوت الولاية بالتعيين او باذن الامام المعصوم)، واضح;لانه علي فرض احراز افضلية الفقيه المذكور للتصدي لمقام الولاية، ووفقا للادلة العقلية و النقلية يحق لمثل هذا الشخص الولاية علي الناس، و يكون امره نافذا علي كل مسلم و يجب عليه تنفيذه .اذن طاعته واجبة ايضا حتي علي المسلمين المقيمين في الدول غير الاسلامية.
اما في ضو المبدا الثاني الذي ينص علي توقف ولاية الفقيه علي الانتخاب و البيعة فيمكن القول ان انتخاب اكثرية الامة او اكثرية اعضاء الشوري او اهل الحل و العقد يعتبر حجة علي الآخرين ايضا .و هذا مما يقره العقل و ربما توءيده بعض الاقوال النقضية الواردة في نهج البلاغة و التي تنظر بعين الاعتبار لبيعة المهاجرين و الانصار .و هذا يعني ان طاعة الولي الفقية، وفقا لهذا المبدا، واجبة ايضا علي المسلم المقيم في البلاد غير الاسلامية، سواء بايع ام لم يبايع.
و لكن قد يقال ان هذا الانتخاب و هذه البيعة معناها تفويض الصلاحية من قبل المبايع للمبايع له ضمن اتفاق معين، و من هنا تجب طاعة الولي الفقيه علي من بايعه فقط، و هي غير واجبة علي المسلمين خارج تلك الدولة بل و لا علي المسلمين الذين لم يبايعونه في داخل تلك الدولة .الا ان حكم العقل ليس ثابتا و لا قاطعا في مثل هذه المسالة .كما هو الحال في الآراء الجدلية التي لا يراد من ورائها الا اقناع او الزام الخصم ليس الا.
اما السوءال الثاني فكان مفاده :اذا كانت هناك دولتان اسلاميتان، احداهما فقط تساس بنظام ولاية الفقيه، فهل طاعته واجبة علي المسلمين الذين يعيشون في دولة اخري ام لا؟ و جواب هذا السوءال يجري ايضا مجري السوءال السابق مع فارق واحد هنا و هو امكان افتراض صورة نادرة اخري و هي ان مسلمي البلد الآخر، اذا كانوا يرون حكومتهم ـ اجتهادا او تقليدا ـ شرعية و واجبة الطاعة( حتي و ان كانت تدار بنمط آخر يختلف عن ولاية الفقيه)، يكون واجبهم الظاهري هنا طاعة حكومتهم، و ليس طاعة الولي الفقيه الذي يحكم في بلد آخر.
و اما السوءال الثالث فهو:اذا اقام اهالي دولتين اسلاميتين او اكثر ولاية فقيه خاصة بهم فهل يعتبر حكم اي من الفقهاء الحاكمين نافذا من التاني، و سبب ذلك يعود الي:
اولا :يجب افتراض شرعية ولاية كلا الفقيهين( او الفقهاء )و حكم كل منهم واجب الطاعة في بلده، كما سبق و ان اشرنا الي ان وجود بلدين اسلاميين مستقلين استقلالا تاما و لهما حكومتان شرعيتان يقبل في حالة تعذر اقامة حكومة اسلامية واحدة، و اما اذا افترضنا ان ولايةاحد الفقهاء فقط شرعية و محرزة، فهذا يعود الي ما عرض في المسالة السابقة.
ثانيا :يجب ان نفترض علي ادني تقدير ان حكم احد الفقهاء الحاكمين امرا عاما بحيث يشمل المسلمين المقيمن في البلد الآخر الذي يتبع فقيها آخر، تكون لهذه المسالة ثلاثة احتمالات علي الاقل ;لان الحاكم الآخر اما يوءيده، او ينقضه، او يسكت ازاه.
فاذا ايد الحاكم الآخر الحكم المذكور، فلا نقاش في هذا الصورة لان هذا يعتبر بمنزلة اصدار حكم مشابه من قبله و يجب تنفيذه طبعا، و اما اذا نقضه ـ و لا بد ان يكون نقضا معتبرا طبعا يستند الي بطلان ملاك ذلك الحكم بشكل عام، او القول بعدم نفاذه علي ابناء دولته ـ ففي هذه الحالةلا يكون للحكم المنقوض اي اعتبار عند اهالي دولته ،الا اذا او قن ان النقض الوارد لم يكن صحيحا، اما اذا اختار الصمت ازاء الحكم المذكور، تكون الحالة هنا وفقا للاصل الاول في اعتبار ولاية الفقيه( حيث يكون التعيين من قبل الامام المعصوم .)اي تجب طاعته حتي علي الفقهاء الآخرين.
مثلما ينفذ حكم احد القاضيين الشرعيين علي القاضي الآخر و علي نطاق الدائرة التي يقضي فيها.
و اما اذا نظرنا للمسالة في ضوء الاصل الثاني فيجب القول حينها ان حكم كل فقيه نافذ علي اهالي دولته فقط( بل و علي من بايعه منهم فقط )و لا اعتبار له علي الآخرين و لا مجال هنا للتمسك بدليل العقل.
و اما علي فرض مبايعة المسلمين المقيمين في بلد ما للفقيه الحاكم في بلد آخر، فهذا يعتبر في الحقيقة بمثابة انسلاخ من الانتماء الي البلد الذي يقيمون فيه و اختيار الانتماء الي البلد الذي بايعوا الولي الحاكم فيه، و لا تدخل هذه المسالة في صلب موضوعنا هذا.


طباعة   البريد الإلكتروني