هل انّ مقام الإمامة أعلى من مقام النبوة؟

(وقت القراءة: 2 - 4 دقائق)

indexیالجواب: انّ  إمامة الخليل أعلى من مقام النبوة.

أوّلاً: «النبوة » في الواقع بمعنى تلقّي الوحي و «الرسالة» بمعنى تبليغ ذلك الوحي، والحال أنّ «الإمامة» زعامة وقيادة المجتمع في جميع النواحي انطلاقاً من الأُصول والمعارف الإلهية. ولا شكّ أنّ كلّ مقام من هذه المقامات يخضع إلى سلسلة من المواهب والكفاءات والاستعدادات التي ينبغي أن تتوفر في الشخص لتشمله الرعاية واللطف الإلهي وليحمل هذا الوسام الشريف، وإذا كانت النبوة والرسالة تحتاج إلى مجموعة من الشروط والاستعدادات، فإنّ الإمامة تحتاج إلى شروط أُخرى أشدّ وأعقد من الشروط التي ينبغي أن تتوفّر في النبي أو الرسول. وذلك لأنّ الإنسان الإلهي المرتبط بالوحي في المرحلة الأُولى يحتاج إلى مؤهّلات وشروط تؤهّله إلى تلقّي الوحي واستلام التعاليم والأحكام الإلهية، وفي المرحلة الثانية «الرسالة» أنّه مكلّف في نشر التعاليم الإلهية وتحقيق البرنامج الإلهي في المجتمع لكي يتسنّى للأُمّة ومن خلال القيادة الرشيدة والحكيمة أن تطوي الطريق لنيل السعادة في الدارين.

وبعبارة أُخرى: انّ مجال وإطار عمل الأنبياء والرسل باعتبارهم حاملين للنبوة والرسالة، هو تبيين الأحكام والتذكير، ولكن عندما يصلون إلى مقام الإمامة تقع على كاهلهم مسؤولية خطيرة جداً، وهي تربية الإنسان الجاهل وتأمين جميع مستلزمات البشرية في جميع الأقسام، ولا ريب أنّ القيام بهذه المهمة الصعبة والخطرة للغاية لا يمكن أن يتحقّق ما لم يتوفر النبي الإمام على مجموعة من الصفات التي منها التحلّي بالصبر والاستقامة والثبات وتحمّل المصاعب والعناء وشدّة المحن في سبيل اللّه تعالى، ومن هذا المنطلق نرى إبراهيم لم ينل مقام الإمامة إلاّ بعد أن طوى سلسلة من الامتحانات الصعبة والاختبارات العسيرة التي خرج منها مرفوع الرأس بعد أن ثبت وقاوم وصبر وسيطر على نفسه وتحمل ما يعجز اللسان عن وصفه.

وعلى هذا الأساس يكون القيام  بمهام الإمامة ـ الملازمة لكم هائل من العقبات والمشاكل المعقدة والمقترنة أيضاً بالمصائب والفتن ومجاهدة الأهواء والغرائز والميول والتي تستدعي الاحتراق والفناء في هذا الطريق ـ بحاجة إلى درجة عالية من العشق الإلهي والذوبان في الحب الإلهي، وإلاّ فلا يمكن بحال من الأحوال أن يوفق النبي أو الرسول للقيام بتلك المهمة الصعبة، ولذلك نجد النبي إبراهيم (عليه السلام)  مُنح هذا المقام السامي في أُخريات حياته الشريفة.

ثانياً: انّ الهداية التي تحصل من الأنبياء والرسل لا تحتاج إلى شيء غير التذكير وبيان الطريق، والحال انّ الهداية الحاصلة من الإمامة تتحقّق من خلال الإيصال إلى المقصد المطلوب، يعني أنّ الإمام في الواقع ينفذ إلى باطن الإنسان وروحه وأحاسيسه ومشاعره بحيث يهيمن على قلب الإنسان ويسري في دمه وعروقه ويهديه  من خلال هذا الطريق. فالإمام كالشمس التي تسطع بأشعتها لتبعث الحياة في النباتات وتؤثر في نموها وازدهارها، كذلك الإمام يفعل فعله في القلوب المستعدة ليوجد فيها حالة من الانقلاب والتحوّل الكامل.

إنّ الإمام وفي ظل القدرة الإلهية والوحي الإلهي، يخرج القلوب المستعدة والمتهيئة من الظلمات إلى النور، وهذا المقام السامي مُنح لإبراهيم (عليه السلام)  ولأمثاله  من الأنبياء بعد اجتياز سلسلة من الاختبارات الصعبة التي ولّدت فيهم تلك الروح القوية والقدرة العجيبة في التأثير.

فالإمام ـ وفقاً لهذه النظرية ـ يعد من مجاري الفيض الإلهي، بل من علل وصول الفيض الإلهي (الهداية) إلى الناس،فكما أنّ الفيض المادي يحتاج إلى سلسلة من المجاري والعلل المادية، كذلك الفيض المعنوي ـ و هو الهداية التكوينية ـ يحتاج إلى سلسلة من المجاري والعلل، ولا ريب أنّ هذا النوع من الهداية الذي يرتبط بمواهب وكفاءات خاصة خارج عن إرادته واختياره، إذ انّ النفوس المستعدة تنجذب بصورة قهرية إلى هداية الإمام وتدخل في إطار الهداية التكوينية.

الخلاصة: الأنبياء باعتبارهم يمتلكون خاصية الهداية التشريعية بحيث يستطيعون هداية المجتمع من خلال تبليغ الرسالة وإرشاد الناس وبيان الأوامر والنواهي فمن  هذه الجهة يطلق عليهم وصف «النبي»، ولكن من جهة امتلاكهم القدرة على الهداية التكوينية وكونهم السبب في كمال وسعادة الإنسان وتصرفهم في قلوب ونفوس الناس وجذبهم إلى محيط الهداية التكوينية، يطلق عليهم من هذه الجهة وصف «الإمام».( [1])

[1] . منشور جاويد:5/ 262ـ 263 .


طباعة   البريد الإلكتروني