مزار جعفر عليه السلام فی الاردن

(وقت القراءة: 3 - 5 دقائق)
شهدت أرض الأردن عبر تاريخها الديني الطويل أحداث و وقائع لم تأخذ نصيبها الحقيقي من الدراسة والبحث ,حتى أن المرء ليشعر بشيء من المرارة والأسى أمام ما يحسه ويراه .. فأرضه مباركة : وفق نصوص من آيات الذكر الحكيم في مضمونها أو موضوعها أو سياقها العام , إضافة إلى أحاديث شريفة جاءت بهذا الخصوص .. وهي مباركة : كونها تقع بين أقدس بقعتين هما مكة والمدينة المنورة من جهة و القدس الشريف من جهة اخرى.. وهي مباركة : فقد وطئتها أقدام معظم الأنبياء والرسل , فمنهم من عاش ومات ودفن فيها , ومنهم من مر بها وترك من آثاره الشيء الكثير.. وهي مباركة : كونها المسرح الذي شهد الكثير من قصص القرآن المجيد والكتاب المقدس .. وأرض الأردن مباركة :حيث جرت على أرضها أشرف معركة استشهادية في الفترة النبوية امتزجت دماء شهدائها الزكية بتراب هذه الأرض : فهذا جعفر بن أبي طالب عم آل محمد(ص) ومحل نصرتهم وافتخارهم , وهذا زيد بن حارثة حب رسول الله(ص) , وهذا عبدالله بن رواحه نديم وشاعر وكبير من ناصر الرسول الكريم ( رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً ) .. فهم السابقون السابقون , قدّمهم ( صلى الله عليه وآله ) كقرابين للدين الجديد ,احتوت أرض الأردن أجسادهم الطاهرة .. فهذه المعركة فيها بعض التشابه بواقعة الطف في كربلاء , وذلك من ناحية طبيعتها الاستشهادية و سائر مفرداتها . وقبل الدخول في هذه الطبيعة وهذه المفردات يجدر بنا أن نتدارك أن أرض الأردن قد شهدت من الأحداث التي لها أثر كبير على الفكر الديني لكل الديانات السماوية : فمن هنا مرّ الرسول الكريم قبل بعثته الشريفة واستظل بشجرة لا زالت باقية لحد الآن تشهد على ما حدث تحتها , حيث زفّ الراهب بحيرى البشرى للبشرية كافة بأن محمدا خاتم الأنبياء ومنقذها من طوفان الظلم والظلام , فصارت هذه الأرض بعد ذلك ممراً لمعراجه ومسراه صلى الله عليه وآله .. وعلى هذه الأرض عَمّد يحيى(ع) السيد المسيح(ع) , ثم قُطع رأسه الشريف وقدم إلى بغي,وقد رَبـَطت أحاديث لأهل البيت عليهم السلام بينه وبين الحسين بن علي عليهما السلام في القتل والاسم والبكاء والحمل .. وهنا أيضاً سأل موسى(ع) ربّه [ ربي أرني أنظر إليك] فأجابه تعالى: [ لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل ] ,وقد استسقى لبنات شعيب(ع) , والتقى بالرجل الصالح الخضر(ع) ,وعهد الأمر من بعده إلى فتاه و وصيه يوشع بن نون(ع) .. فصارت هذه الارض برية لهم عليهم السلام , جرت عليها مما ورد من قصصهم في القرآن الكريم : فكهف لوط(ع) , وكهف اهل الكهف , وعقر ناقة صالح(ع) , وبناء سفينة نوح(ع) , وتجميع جيوش سليمان(ع) , الى غير ذلك , وقد أوضحت الكثير من أحاديث أئمة آل البيت ما ورد في القرآن الكريم تفيد بعلو وسمو مكانتهم وحجتهم على الناس. لهذا فأرض الأردن بكر في جميع رموزها الايمانية من مقامات وأماكن لها قدسيتها في الاسلام , وهذه الرموز تحتاج الى صياغة خاصة لإعادتها واظهارها وفق سمو مكانتها وما تحمل من معاني حقيقية لدى محبيها , وقد تعرضت أغلبها لنوازل الطبيعة أو الاهمال أو التهميش لفترات ليست بالقصيرة حتى اندثر بعضها, والذي ناله الاعمار والبناء لم يحظ بالرعاية والاهتمام الكافي , وقد جُردت جوانبها القدسية وعطلت شعائرها الايمانية والروحية لتكون كأكوام الحجارة بعيدة عن الصيغة الواعيه التي يمارسها المؤمنون للتعبير عن عمق ارتباطهم بهذه الرياض الملائكية المباركة ومناقب أصحابها الذي جعلهم الله هدى ورحمة للعالمين وفرض حبهم واتباعهم وكانت في قصصهم وسيرهم عبرة لأولي الألباب . ورجوعاً إلى مؤتة وشهدائها الأبرار نرى أن هذه المعركة لا يمكن أن تقرأ بمعزل عن العناية الإلهية, كما أن نتائجها لا يمكن أن تقاس بمعايير غير ناموسية, وان ما تضمنته من معجزات للرسول الكريم وما استخلص منها كشواهد على نبوءته ( صلى الله عليه وآله ) تفيد أن مؤتة كانت معركة استشهاديّة ومن نمط خاص في طبيعتها تماماً , فقد قدّم الرسول الكريم شهدائها ـ بإذن ربه ـ قرابين لدينه الحنيف وهم من أغلى الناس عليه وأحبهم إلى قلبه ,وكفديه ليدرأ بهم عن دولته الفتيه خطر الروم الداهم عليها .. والذي يلفت النظر أن هذه المعركة بالاضافة الى طبيعتها الاستشهادية فيها بعض التشابه بواقعة الطف في كربلاء وتتلازم معها في بعض مفرداتها , وهذا التلازم والتشابه لم يأت بالصدفة أو من فراغ , بل حفته القدرة الربانية بالكثير من ارادتها : فعندما تنبأ الرسول الكريم لما سيجري لقادة هذه المعركة , فقد تنبأ ايضاً لفاجعة الطف في كربلاء وأخبر لما سيجري للحسين بن علي عليهما السلام. ومعركة مؤتة كانت معركة استباقيه وقائية مفصليه في حياة الاسلام الأول , درأت عنه ما كان مبيت له من قبل الروم , وكذلك الطف معركة ارتدادية وجدانية مفصلية قوّمت انحراف الإسلام بصدمة جعلت المسلمين يصحوا أمام مسؤولياتهم . وفي معركة مؤتة انتصر الدم على السيف وهي معركة غير متكافئة تماما ,ً كذلك فقد انتصر دم الحسين وأهل بيته الأطهار على سيف الظلاله والبغي في معركة غير متكافئة تماماً . وكان لشهداء مؤتة المكانة العزيزة والكبيرة على قلب الرسول الكريم , كذلك العترة الطاهرة في كربلاء . وقد أظهرت في معركة الطف الاستشهادية بطولات خارقة بكل المعايير , كذلك مؤتة ظهرت فيها ذات البطولات الخارقة . وعندما قطعت يدا عم آل البيت جعفر بن ابي طالب الطيار عليه السلام , فقد قطعت يد أبا الفضل العباس عليه السلام . لقد سار الحسين بن علي عليهما السلام الى ما أراد الله له عارفاً بما سيلاقي , كما سار جعفر وصحبه الى ما أراد الله لهم عارفين بما سيلاقون .. الى غير ذلك من تشابه وتطابق يدل على الطبيعه الاستشهادية الواحدة المكللة بإرادة الله عزّ وجل . ومؤتة والطف كانتا محل لمعجزات الرسول الكريم في حياته الشريفة وبعدها , ولم يكون الفداء والتضحية بهم الا لمنزلتهم ومكانتهم السامية عند بارئهم وتلك هي العناية الربانية . من كل هذا يتضح أن لجعفر وصحبه البررة مكانة مميزة وعليـّة عند الله ورسوله وآل بيته الأطهار , وقد أشار إليهم عزّ وجلّ في كتابه العزيز بأنهم ثلة الأولين من السابقين السابقين .. ومع هذا لم تحظ مشاهدهم بالمكانة اللائقة التي أظهرتها الدراسات المنطقية لهذه المعركة وشهدائها , ولم ترو سيرهم أو تذكر وفق حقيقتها الباهرة , ولم تعظم شعائر الله فيهم مع حقهم وقربهم من آل البيت .. فمقاماتهم خاوية من الوافدين عليها , تنتظر العارفين بهم المحبين لهم السالكين في مرضاة الله بهم .. وحتى لا نكون من الظالمين لحقهم [ معاذ الله ] لذا فإننا ندعوا الجميع الى تأسيس جمعيات خيرية باسم عم آل محمد سيدنا جعفر الطيار وصحبه البررة في كل تواجد لمحبي آل البيت تأخذ على عاتقها التعريف بهم وبمكانتهم وفق ما تظهر الحقائق المغيبة عنهم وما تثير من مشاعر اتجاههم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته المخلص د. مصطفى بن هاشم زين الدين المزار ـ مشاهد الفداء الاسلامي الأول

طباعة   البريد الإلكتروني