عزاء الامام الحسين (عليه السلام) فی العراق

(وقت القراءة: 5 - 10 دقائق)
عزاء الامام الحسين (عليه السلام) العراق, وهو مهد مجلس العزاء والسبايا, والحزن والألم, والنياحة والمواكب الحزينة على الامام الحسين وخاصة في مدن العتبات المقدسة في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء, تقام هذه المجالس والمجتمعات وتسير المواكب على أتم وجه في العشر الأولى من أيام وليالي محرم, وفي سائر أيام شهري محرم وصفر, وفي بعض أيام الاسبوع . وفيما يلي أقوال بعض الكتاب في ذلك : 1 ـ جاء في الصفحة «164» من كتاب « نهضة الحسين » عن إقامة المأتم على الامام الحسين في العراق خلال هذا القرن ما نصه : « ومما تجدر الاشارة اليه على أثر تطور العزاء الحسيني واتساعه عن طريق اللطم والضرب بالسلاسل وما اليها, وما أظهره شباب الكاظمية عام 1360 هـ ـ 1941 م الى المرحوم السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني من تأثرهم لهذا التطور المشين, والذي يكمن وراءه من الإظرار بهذا العزاء وبأهداف سيد الشهداء عليه السلام, فاقترح عليهم تطويره الى إقامة حفلات وإلقاء قصائد تشيد بالذكرى وتؤبن شهداءها, وتبنى هذا الأمر لعدة سنوات, ساهم فيها كثير من أعلام القطر العراقي, وأساتذة الجامعات وقادة الرأي وشباب البلد, من شعراء وخطباء, كان لها أكبر الأثر في جذب النفوس اليها, ساهمت بنقل هذه الحفلات حية عبر الأثير عن طريق الإذاعة من صحن الامامين الكاظميين صبيحة العاشر من محرم في كل عام, وكان يحضرها عشرات الآلاف من المستمعين الى جانب الهيئات الرسمية, وممثلي الدول الاسلامية, مما أعطت أروع صورة محترمة عن هذه الذكرى الى المستمعين, وكان الشعراء والخطباء يتبارون في الرثاء والابداع فيه, مما تغذي الفكر الاسلامي والشعر العربي باسلوب لم يكن معروفاً من قبل .. وبعد أن يصف الكاتب مواكب العزاء في العراق, ولا سيما في مدن العتبات المقدسة فيه, وما يجري فيها من مراسيم وعادات أدخلت على هذه المواكب والتعازي والمآتم خلال القرون الثلاثة الأخيرة, يقول في الصفحة «168» من الكتاب ما عبارته : « وكانت الهيئات الرسمية في العراق وإيران والهند والباكستان تحضر هذه التعازي وتشهد ما يجري فيها كل عام, وتتخذ كافة الاحتياطات الأمنية فيها حتى تنتهي هذه المراسيم بسلام . وفي سنة «1936 م», وعلى أثر حدوث اصطدامات دموية بين المواكب العزائية, أصدرت وزارة ياسين الهاشمي في العراق أمراً بمنع إقامة التشابيه ومواكب السلاسل والتطبير منعاً باتاً .. ومنع لعدة سنوات . إلا أن الجهات الرسمية عادت سنة «1947 م» فسمحت لمواكب التطبير بالظهور, وكذلك مواكب الضرب بالسلاسل .. وتوسع الأمر وشمل مواكب الشبيه, حيث أخذت بالظهور من سنة «1952 م» في العراق . ومع توالي السنوات توسعت وأخذ الشبيه شكله الموسع في السنوات الأخيرة في مختلف أنحاء العراق . وجاء في هامش الصفحة نفسها قوله : « وتقام مجالس العزاء الحسيني إضافة إلى شهري محرم وصفر في شهر رمضان, وذلك في لياليه وفي سائر أيام السنة على سبيل النية والنذر لحاجة من الحاجات قضاها الله, فيقيم صاحبها مجلس عزاء ليوم واحد, أو لثلاثة أيام في الأسبوع, أو عشرة أيام, أو أكثر حسب ما نوى, وتوزع فيها الخيرات للفقراء والمساكين . وكثيراً ما يرافق مجالس العزاء الحسيني إطعام أو خيرات للحاضرين » . 2 ـ نقلت « موسوعة العتبات المقدسة » قسم كربلاء صفحة «380» عن الكاتبة الانجليزية المس « فرياستارك » في كتابها « صور بغدادية » في فصل النجف, عند ذكر قصة مجزرة كربلاء, قولها : « وهي من القصص القليلة التي لا استطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء ... » الخ . 3 ـ جاء في الصفحة «371» من « موسوعة العتبات المقدسة » قسم كربلاء في فصل : « كربلاء في المراجع الغربية » ما لفظه : « وقد كتب عن مأساة كربلاء كذلك, ومحرم الحرام بوجه عام, المستر « توماس لايل » الذي اشتغل في العراق معاوناً للحاكم السياسي في الشامية والنجف, في 1918 ـ 1921 م ومعاوناً لمدير الطابو في بغداد, وحاكماً في محاكمها المدنية, في كتابه « دخائل العراق » ما يقرب من عشرين صفحة, وهو يقول بعد أن شهد مواكب العزاء ولطم اللاطمين فيها : « ولم يكن هنالك أي نوع من الوحشية أو الهمجية ولم ينعدم الضبط بين الناس . فشعرت ـ وما زلت أشعر ـ بأنني توصلت في تلك اللحظة الى جميع ما هو حسن وممتلئ بالحيوية في الاسلام, وأيقنت بأن الورع الكامن في أولئك الناس,والحماسة المتدفقة منهم بوسعهما أن يهزا العالم هزاً فيما لو وجها توجيهاً صالحاً, وانتهجا السبل القويمة, فلهؤلاء الناس عبقرية فطرية في شؤون الدين » الخ . 4 ـ جاء في الصفحة «146» من كتاب « تاريخ كربلاء وحائر الحسين » للسيد الجواد الكليدار عن هذا اليوم الحزين قوله : « زيارة الأربعين : وهي في يوم 20 صفر من كل سنة وهي من أعظم زيارات كربلاء, إذ تحتشد فيها مئات الألوف من الزائرين, الذين يشدون الرحال اليها من مختلف الأقطار الاسلامية القريبة والنائية, فيزورها خلق عظيم, على الأخص من المدن العراقية من الشمال الى الجنوب, فتسير فيها المواكب العظيمة باسم « موكب الأنصار » يتراوح عدد من يسيرون في كل موكب فيما بين خمسمائة وألف نسمة, فيخرج كل موكب من العزاء بكل سكينة ووقار, في مظهر من الحزن العميق البادي على الوجوه, حاسري الرؤوس وحافيي الأقدام, ومرتدين الملابس السود علامة الحداد, يبكون ويلطمون على الصدور والخدود, يعزون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتل سبطه الحسين عليه السلام محتجين على جفاء الأمة له, وتخفق الرايات السود شعار العزاء والحزن أمام كل موكب, وقد كتب عليها ـ بالكتابة الواضحة ـ اسم الموكب والبلد الذي ينتمون اليه » . 5 ـ جاء في الصفحة «165» من كتاب « نهضة الحسين » وصفاً لبعض أنواع المواكب الحسينية في العراق المعروف بالشبيه يوم الأربعين, أدرج خلاصته تالياً : « وهناك لون آخر من العزاء الحسيني المسمى بالشبيه . وقد ظهر بادئ الأمر في القرن العاشر الهجري على هيئة حصان مغطى بكفن مدمى وفيه بعض النبال, يتقدم مواكب اللطم كأنه حصان الحسين عليه السلام بعد المعركة ... ثم توسع الى خيول متعددة على نفس الشاكلة ترافق المواكب .. ثم ظهرت شخصية الحر الرياحي ومعه بعض قادة الجيش الأموي برفقة هذه الخيول أمام المواكب, وظهرت شخصية الامام علي بن الحسين السجاد في حالة رجل عليل مكبل بالأغلال على صهوة جواده, وسط الموكب يوم الأربعين من صفر, يردد ما قاله حين دخل المدينة .. والناس تلطم من فرط التأثر لمشهده . ثم تطور بالتدريج الى ظهور الهوادج والنساء فيها كأنهن السبايا عائدين من الشام عبر العراق الى المدينة, ويمرون بأرض الطفوف في كربلاء يوم زيارة الأربعين .. والجماهير الغفيرة تلطم متأثرة من هذا المنظر المفجع يتذكرون الموقف نفسه .. ثم تطور هذا العزاء بتوالي السنين بظهور أشخاص يتقمصون دور أصحاب الحسين وعدد من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يتقدمون مواكب العزاء, ومعهم شبيه قادة الجيش الأموي .. وفي أواخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر الهجري, برزت شخصية الحسين وسط الشبيه, يتقدم موكب العزاء ومن خلفه شخصية أخيه العباس » . ويستطرد الكاتب كلامه ويقول : « وتطور موكب الشبيه الذي كان يأخذ مسيره عبر الشوارع والطرقات, ومن وسط الجموع الغفيرة من المشاهدين الى الساحة الرئيسية في المدينة, أو الى وسط الصحن في المراقد المتبركة حيث تجري هناك صورة مصغرة لتلك المعركة التاريخية .. وبتوالي السنين توسع هذا اللون من العزاء الى إقامة صرح له وسط الصحن أو الميدان, وبجواره خيام تمثل خيام أهل البيت » . ثم يتوسع الكاتب الى شرح هذا اللون من المواكب العزائية والمآتم الحسينية, مما لا أجد حاجة الى نقلها كلها, لأنها معروفة لدى قراء العربية بأقطارهم المختلفة .. كما أن مثل هذه المواكب تسير في كثير من البلدان الاسلامية وخاصة إيران والهند, ولكن بصورة أضيق أحياناً, وبشكل أوسع حيناً آخر . ومن أهم المواكب العزائية التي تؤم كربلاء في اليوم الثاني عشر من المحرم كل عام ـ أي اليوم الثالث على قتل الامام الشهيد وصحبه ـ مواكب عزاء سكان قرية « طويريج » الواقعة على بعد عشرة أميال شرقي مدينة كربلاء, على شاطئ نهر الفرات, والتي تعرف بالهندية . إذ منذ الصباح الباكر في هذا اليوم تحتشد مواكب هذه القرية, مهرولة بجموعها نحو كربلاء وكلما اقتربت من هذه المدينة التحقت بها جموع بقية عشائر وسكان القصبات والدساكر والتجمعات العشائرية التي تمر بها, فيتألف منها حوالي مائة ألف نسمة, من الرجال والنساء, والشيوخ والشباب والأطفال ماشين على الأقدام, يصلون كربلاء عند زوال ذلك اليوم, وهم ما بين معول وصارخ, وباك ومفجوع, ولاطم . ويشترك معهم في ضواحي مدينة كربلاء سكانها ثم يدخلون صحن الامام الحسين, ثم يدورون حول ضريح الامام الشهيد, ثم يتوجهون الى ضريح أخيه العباس, وبعدها يمرون ببعض شوارع المدينة الى أن يصلوا الى محل مخيم الامام الحسين عليه السلام وهناك يعيدون ذكرى فاجعة الطف, ثم يتفرقون . أما منشأ هذا الموكب الذي يرتقي بتاريخه الى أكثر من ثلاثة قرون, فهو أن المشتركين فيه يعتقدون بأنهم يمثلون أفخاذ بني عامر من عشائر بني أسد الذين حضروا ساحة القتال عصر اليوم الثاني عشر من المحرم سنة 61 هـ, بعد أن غادرها جيش ابن سعد في اليوم الحادي عشر منه, متوجهاً الى الكوفة ومعه الرؤوس والسبايا, ودفنوا أجداث الشهداء بعد أن بقيت هذه الأجساد ليلتين وثلاثة أيام في العراء, وهذه المواكب التي تفد بجموعها على كربلاء, وتشترك في هذا اليوم في مأتم الامام الشهيد, إنما تحيي ذكرى أجدادها الاشاوس من عشائر بني أسد . ويذكر المعمرون ان مبدأ هذا العزاء شرع منذ أكثر من 300سنة, حيث أخذت العشائر القاطنة في المنطقة الواقعة بين الحلة وكربلاء, بالقرب من قرية « طويريج », تأتي عند زوال اليوم الثاني عشر من المحرم كل سنة الى كربلاء, وتشترك في العزاء الحسيني على شكل جماعات صغيرة . وكان العلامة السيد محمد المهدي الطباطبائي بحر العلوم, المتوفى سنة 1212 هـ في النجف, يتقدم في بعض السنوات هذه الجماعات النائحة في وفودها على كربلاء, وعندما سئل عن سبب اشتراكه في هذا العزاء أجاب : إنه رأى في المنام الامام الثاني عشر صاحب الزمان «عج» مشتركاً في هذا العزاء, فآثر أن يكون من المشتركين فيه . كما ذكر أن بعض كبار الشعراء ـ كالكعبي ـ وعظماء المجتهدين من فقهاء الشيعة, كالشيخ زين العابدين المازندراني وغيرهما كانوا يشتركون فيه من ضواحي مدينة كربلاء . ولقد تطور هذا العزاء المتحرك من تلك المسافات البعيدة الى أن أصبح كما هو عليه الآن, وأطلق عليه اسم عزاء « بني أسد » . 6 ـ يقول الدكتور السيد علي الوردي في الصفحة «386» من كتابه « مهزلة العقل البشري » حول مجزرة الطف والعزاء الحسيني, ما نصه : « لم يكد معاوية يموت حتى حدثت حادثة هزة المجتمع الاسلامي هزاً عنيفاً, تلك هي مأساة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي . وهذه الحادثة أنتجت آثاراً اجتماعية بالغة قلماً تجد لها مثيلاً في التاريخ » . ويستطرد الكاتب فيقول : « كانت شهادة الحسين تتمة لشهادة أبيه العظيم . وقد يصح أن نقول : إن مأساة كربلاء أضافت الى مأساة الكوفة لوناً جديداً, ولولاها لما أحس الناس بأهمية تلك المبادئ الاجتماعية التي نادى بها علي في حياته . فقد صبغ الحسين مبادئ أبيه بالدم, وجعلها تتغلغل في أعماق القلوب تغلغلاً عميقاً ... » . ويواصل الكاتب كلامه في الصفحة «387» ويقول : « يحتفل الشيعة في أيامنا هذه بمقتل الحسين أحتفالاً ضخماً, فهم يذرفون فيه الدمع الغزير ويلدمون الصدور والظهور, ويجرحون الرؤوس . ولنا أن نقول إن احتفال الشيعة هذا قد أمسى طقوسياً » الخ . 7 ـ بحث الدكتور علي الوردي في بعض فصول كتابه « دراسة في طبيعة المجتمع العراقي » موضوع التوزيع الطائفي في العراق, وتطرق خلاله الى اشتراك الطائفة السنية مع الشيعة في العزاء الحسيني ومواكبه, فقال مثلاً عند إشارته الى التوزيع الطائفي في منطقة ديالى صفحة «236» ما نصه : « وربما جاز القول بأن التعايش السلمي في منطقة ديالى بين الطائفتين غير قليل وليس في النادر أن نرى محلة سنية تشارك محلة شيعية في بعض مواكبها ومجالسها الحسينية, وقد تشاركها أيضاً في تقديس مراقدها وأئمتها » . وعندما تطرق الكاتب الى هذا التعايش في مدن المنطقة الرسوبية في العراق كمدينة الناصرية في الصفحة نفسها قال : « فأخذوا ـ أي أفراد الطائفة السنية ـ يشاركون في مواكب الشيعة ويحضرون مجالسهم . وربما أخرج بعضهم مواكب خاصة بهم . وهذا يدل على أنهم سائرون في سبيل التشيع تدريجياً ... » الخ . ثم يصف الكاتب في الصفحة «237» من كتابه هذه المواكب ويقول : « فقد اعتاد الشيعة في العشرة الأولى من شهر محرم أن يخرجوا بالمواكب العظيمة إحياء لذكرى مقتل الحسين, وهذه المواكب تسير في الطرقات وفيها الأعلام والطبول والبوقات, وتقرأ فيها القصائد العامية الحزينة وتلطم فيها الصدور, أو تضرب الظهور بالسلاسل, وفي اليوم العاشر تخرج مواكب التطبير ... » الخ . ثم يستطرد الكاتب فيقول : « ومجالس التعزية, فإن كل وجيه أو غني من الشيعة يميل الى إقامة مجلس يقرأ فيه مقتل الحسين لمدة عشرة أيام, خصوصاً في شهري محرم وصفر من كل عام, ومن يشهد هذه المجالس, ويستمع الى القصائد الحزينة التي يلقيها الخطباء فيها, والى وصفهم مقتل الحسين وأولاده واخوته وأقربائه, يحس بالميل الى البكاء ... » الخ . 8 ـ جاء في الصفحة «69» من كتاب « السيد محسن الأمين, سيرته ـ بقلمه وأقلام آخرين » وهو المجلد الأربعون من موسوعته « أعيان الشيعة » عند وصفه بعض عادات النجفيين التي شاهدها أثناء إقامته الدراسية في النجف خلال العقد الثاني من القرن الرابع عشر الهجري ووصفه مجالس العزاء وإقامتها فيها من قبل الرجال والنساء قوله : « والنساء أيضاً يجلسن للعزاء منفردات عن الرجال, ولهن نوائح صناعتهن النياحة على الأموات وعلى الحسين عليه السلام في أيام عاشوراء وغيرها, ومنهن من تنشد الشعر الزجلي ارتجالاً ومجالسهن منفردة عن مجالس الرجال, وكانت رئيستهن نائحة تسمى ملا وحيدة ـ بتشديد الياء ـ وكانت تنشد الشعر الزجلي للنياحة ارتجالاً, ولها مجموعة كبيرة من إنشائها في الحسين عليه السلام » .

طباعة   البريد الإلكتروني