تاريخ التشيع في بحرین

(وقت القراءة: 9 - 17 دقائق)
إن تاريخ الشيعة في البحرين خلال فترات الاستقرار وعدمه تميز بعطاء علمي وجهادي دائم وتحد للرزايا والمصائب والنكبات التي حلت بالبحرين الكبرى التي قال عن حدودها المؤرخون : إنما سميت بالبحرين لأنها تقع بين بحر عمان وبحر فارس ، حتى لم يبقى منها إلا جزيرة أوال التي تسمى بالبحرين حالياً نتيجة المتغيرات السياسية والأطماع الخارجية. وهناك الكثير من العطاءات الفكرية والثقافية ، والكثير من رجال العلم والجهاد ، لكن موجات احتلال الطامعين قد أفنت هذه المعطيات ودمر تراث هذا البلد العريق في علمه وولائه لأهل البيت عليهم السلام، واغتصبت أراضيه. فالبحرين لم تكن صحراء قاحلة تجوبها العواصف الرملية ، ولم يكن أهلها رحل ينتقلون من منطقة إلى أخرى ، ولم تكن أرضها جدباء متصدعة بفعل الجفاف، بل كانت خضراء كثيرة العيون والأنهار حتى كانت محط أطماع وصراع ، فقد سكنتها قبائل يزد وأياد، ثم استقلت بها قبيلة ربيعة التي تتفرع في قبيلتي عبد القيس وبكر بن وائل. ويظهر لنا من الوثائق التاريخية أن البحرين القديمة تمتد من الكويت شمالاً إلى عمان جنوباً ومن اليمامة غرباً إلى ساحل الخليج شرقاً فهي تضم الكويت والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وقطر إلى جانب جزيرة (أوال) البحرين الحالية ، وفي سنة 256 هجري شملت البصرة أيضا ً، وتشير تلك المصادر إلى أن سكان البحرين قبل الإسلام كانوا ينتمون إلى القبائل العربية مثل قبيلة بني عبد القيس وبني بكر وبني تميم ،فكانت الواحات بيد أفرع من عبد القيس ، ثم يليهم إلى الغرب بنو بكر بن وائل ، وإلى غربيهم في البادية بنو تميم ، ثم تبعتهم جماعات عربية أخرى عبرت مياه الخليج إلى الساحل الشرقي في فترات تاريخية منتظمة. وقبل أن يدخل الإسلام إلى المنطقة ، وبحكم غناها وثروتها واتصالاتها بالأقوام لأجل التجارة ، سكن فيها عدد محدود جداً من الفرس، إلا أن الغالبية العظمى كانت من القبائل العربية من بني ربيعة . استقرت هذه القبائل في البحرين ، وتطورت من مجتمع القبيلة الجاهل إلى مجتمع متحضر سعى لتبني عقيدة موحدة ربما تمثلت في المسيحية التي وفدت من فلسطين على أيدي عدد من القساوسة الذين استوطنوا البحرين انتظاراً للنبي الموعود في كتبهم. أهل البحرين يعتنقون الإسلام : كان أهل البحرين على موعد جديد بعدما أطل القرن الأول الهجري بنور الإسلام ، واعتنقه أهلها سلما ً، فكانت البحرين ثاني منطقة تدخل الإسلام بعد المدينة المنورة، فقد توجه عمرو بن عبد القيس إلي الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله في مكة المكرمة ، موفداً من قبل أمير البحرين المنذر بن عائد العبدي الذي اشتهر بلقب (الأشج) ، وذلك للإطلاع عن كثب على الدين الجديد والتحقق من علاماته التي وردت في الكتب السماوية ، ولكن الأشج لم يكن ليطمئن على الانعطافة الجديدة لشعب الجزيرة حتى وقف بنفسه على حكومة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة في السنة السابعة للهجرة، فترأس وفداً مكوناً من عشرين نفراً شقوا أمواج البحر وساروا أياماً في صحاري الجزيرة العربية وعند وصولهم أكرمهم الرسول الأعظم بلقاء خاص ، بعد أن أنزلهم في دار رملة بنت الحارث ، واستقبلهم بوحي النبوة قائلاً : (مرحباً بوفد قوم لا خزايا ولا نادمين). فقال الأشج : جئنا سلماً غير حرب ومطيعين غير عاصين، فاكتب لنا كتاباً يكون في أيدينا. فسألهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : ( تبايعوني على أنفسكم وقومكم ؟. فقالوا نعم يا رسول الله ، انك لن تزايل الرجل عن شئ أشد عليه من دينه ، نبايعك على أنفسنا وترسل معنا من يدعوهم .. فمن اتبع الإسلام كان منا. ثم أمر الرسول الأعظم الأنصار بإكرامهم وحسن وفادتهم. وبعد عشرة أيام من مرافقتهم للرسول الأعظم والإطلاع على أحكام الدين وتعاليمه ، قفلوا راجعين إلى البحرين التي أطلق عليهما في أحيان كثيرة (الأرض الخضراء) ، وذلك لخضرتها و أشجارها ونخيلها وعيونها وأنهارها. وقيل أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وأله وسلم ، كان على علم بطبيعة أهلها وأرضها ، وقد جعلها أحد خياراته للهجرة من مكة المكرمة ، لولا بعدها عن مكة والمياه الفاصلة بينها وأراضي الجزيرة العربية. كانت السنة الثامنة للهجرة بداية لتحولات خطيرة رسمت المسار الأمثل لأهل البحرين باتجاه العقيدة والموقف السياسي السليم الذي نبأ به الرسول الأعظم خلال مراحل حياته. فقد أوفد عبد القيس الشريف الجارود المعلى العبدي -الذي عرف عنه بغضه لعبادة الأصنام والأوثان على عهد الجاهلية- على رأس أربعين نفراً كان من بينهم الحكيم بن جبلة العبدي الذي عاد مع الوفد إلى البحرين بعد ذلك وهو حاملاً معه مبدأ الولاية الثابتة لأمير المؤمنين علي وأهل بيته. وخلف الوفد ورائه الجارود العبدي في المدينة ليحيط إحاطة تفصيلية بالآيات القرآنية وسنة الرسول الأعظم والمسار التاريخي الذي انتهجه الرسول الأعظم وصحابته من المهاجرين والأنصار في المدينة ، ثم يعود إلى الجزيرة وأهلها مثقلاً بفيض علم النبوة والإمامة. تشيع أهل البحرين: الشيعة كطائفة كانوا في البحرين ، منذ عهد الرسول الأعظم باتفاق جميع من أرخ لهم من الماضين ، ويؤرخون إن أول من بذر بذور التشيع هو الصحابي الجليل أبان بن سعيد بن العاص الأموي، الذي ولاه الرسول الأعظم البحرين مسؤولاً عن بيت المال ، وكان أبان من الموالين للإمام علي عليه السلام فغرس بدور التشيع في المنطقة. بعد وفاة الرسول الأعظم لم تعرف البحرين استقراراً بحكم المتغيرات السياسية التي عصفت بالجزيرة العربية فضلاً عن ثبات أهل البحرين على مبدأ الولاية لأمير المؤمنين علي عليه السلام ودفاعهم دونها. فغابت النعوت الإيجابية التي تحمل حقيقة أهل البحرين وشدة اهتمامهم بالعلم والشريعة وبالتفقه بالدين، وأطلقت عليها نعوت أخرى سلبية جاءت من وحي الموقف المعادي لأهل البيت عليهم السلام، ومن بين تلك النعوت السلبية ( البحرين المرتدة ) و (أهلها قد ارتدوا عن الإسلام). لكن هذه النعوت تحمل في نفسها دلالة على شدة بأس أهل البحرين وإصرارهم على التزام الشريعة وفق سيرة الرسول الأعظم وابن عمه أمير المؤمنين عليه السلام، كما تدل على ضعف أعداء البحرين وعدم تمكنهم من فرض سيطرتهم عليها أو تقويض ولاءاتها الثابتة. وينقل المؤرخ والفقيه الشافعي وشيخ الحرم المكي في القرن السابع الهجري الإمام محب الدين أحمد الطبري عن المحقق الفيلسوف الشيخ ميثم كمال الدين البحراني ت679 هجري ( إن أهالي البحرين لم يرتدوا عن الإسلام كما يزعم بعض المؤرخين ، بل رفضوا بيعة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه- لفترة قصيرة وسبب ذلك..أنهم كانوا موالين لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، ومحبيه وشيعته منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعتقدون أنه الوصي والخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، ويضيف (إلا أن أهالي البحرين قد بايعوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، بعد ما علموا أن علياً كرم الله وجهه قد بايعه ، وبسبب رفضهم بيعة أبي بكر الصديق أطلق أعدائهم عليهم أنهم رافضة وحتى في زماننا ، وأصبح كل من ينتسب إلى البحرين فهو رافضي ، خلاف ما أخرجه المحدثون بطرقهم المختلفة أنهم من القبائل العربية الأصيلة الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم وقد شاركوا في نصرة الإسلام وحروبه على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي )(1) فتشيع أهالي البحرين ليس جديداً كما تحاول بعض الأقلام تحريفه ، كما ليس كما يدعي أعدائهم بأن الشيعة هم الفرس والمجوس ، والحق أن الشيعة اتبعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ). (2) وروي أبو يعلى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((خيركم خير لأهلي من بعدي)) أورده الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (6/40) رواه الطبراني وهو مرسل ورجاله ثقاة. فالتشيع هو مذهب أهل البيت النبوي الذي لا يعتقد به بالفرس فقط ، بل العرب في الحجاز والعراق والكويت وقطر والإمارات العربية وعمان واليمن ولبنان وسوريا ومصر وتونس والجزائر والمغرب وباقي الدول العربية ، كما يوجد الشيعة في الهند وباكستان وتركيا وأمريكا وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا وألمانيا وهولندا والنرويج وسويسرا وباقي الدول الغربية وأفريقيا والصين وروسيا واليابان وكل هؤلاء ليسوا من الفرس ، كما أن الشيعة يقولون بإمامة الأئمة الإثني عشر من أهل البيت وكلهم من العرب من قريش من بني هاشم ، وهم علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثم أبناءه وأبناء فاطمة عليها السلام وهم : الحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام وجدهم الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في حين أن باقي المسلمين ينقطعون في الإمامة إلى الفرس فأغلب أئمتهم من الفرس كأبي حنيفة والبخاري والنسائي ومسلم والترمذي وابن ماجة والراوي والغزالي وابن سينا والفارابي وغيرهم كثيرون ومع هذا لم يتهمهم الشيعة بأنهم من الفرس بل يعتبرونهم أخوة لهم في الدين والعقيدة ، ويعتقدون بأن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. روى الحافظ ابن عساكر قال : ((جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي ، وصهيب الرومي ، وبلال الحبشي ، فقال هؤلاء الأوس والخزرج قد قد قاموا بنصرة هذا الرجل (يعني الرسول الأعظم) فما بال هذا وهذا، (مشيراً إلى غير العرب من الجالسين) فقام إليه معاذ بن جبل ، فأخذ بتلابيبه ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فاخبره بمقاله ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم مغضباً يجر ردائه حتى أتى المسجد ثم نودي:الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخطبهم قائلاً : (يا أيها الناس إن الرب واحد ، وإن الدين واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم ، وإنما هي اللسان ، فمن تكلم العربية فهو عربي) (3) يؤكد التاريخ أن شيعة البحرين كانوا ولا يزالون من القبائل العربية الأصيلة التي كانت تحكم المنطقة قبل الإسلام. ويثبت المؤرخون لهذه المنطقة أن رجالها من الصحابة والتابعيين والشعراء كانوا من الشيعة ، وهم أكثر من أن يذكروا ، وقد شاركوا مع المسلمين في حروبهم ضد الفرس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ، وكان منهم صعصعة بن صوحان بن حجر بن الحارث العبدي الذي ذكره الإمام ابن قتيبة(4). كما تشهد لشيعة البحرين الوثائق التاريخية في وزارة الإرشاد في جمهورية إيران الإسلامية : ( أن الإسلام أتى إلى إيران من البحرين والعراق ) ، وهم بذلك استحقوا حب الخلفاء الراشدين ورضاهم. و يذكر محب الدين الطبري (5) نقلا عن بعض المؤرخين من السنة والجماعة : (أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يحب شيعة علي في البحرين ، لحبهم لعلي وأبنائه.. ولمواقفهم الشجاعة مع الحق والدفاع عن الإسلام ، ومنه مشاركتهم في فتح أرض فارس ، ولهذا لم يكن يرضى بظلمهم أو بالاعتداء على حقوقهم ، وعندما علم عمر أن أبي هريرة رضي الله عنه الوالي على البحرين ، لم يحسن ولايتهم واعتدى على أملاكهم ومنع حقوقهم من بيت المال ، عزله وأرسل عليه وضربه بالدِرة ). ويذكر المؤرخون أنه وبسبب ذلك أدى عدم استقرار البحرين في تلك الفترة إلى هجرة بعض من أهل البحرين إلى العراق والمدينة المنورة. وأورده ابن سعد (6) فقال كان (أي صعصعة بن صوحان العبدي) من أصحاب الخطط بالكوفة وكان خطيباً من أصحاب علي ، وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب فقال كان مسلماً على عهد رسول الله، وكان سيداً من سادات قومه (عبد القيس) وكان فصيحاً خطيباً عاقلاً لسناً ديناً فاضلاً بليغاً يعد في أصحاب علي رضي الله عنه ثم نقل عن يحيى بن معين (أورد قضية أشكلت على عمر – ابن الخطاب-أيام خلافته فقام خطيباً في الناس فسألهم عما يقولون فيها فقام صعصعة وهو غلام شاب فأماط الحجاب ، وأوضح منهاج الصواب ، فأذعنوا لقوله وعملوا برأيه ، ولا غرو فان بني صوحان من هامات العرب وأقطاب الفضل والحسب ، ذكرهم ابن قُتيبة في باب المشهورين من الأشراف وأصحاب السلطان من المعارف)) وقيل للشعبي في ترجمة رشيد الهجري من ميزان الذهبي : ((مالك تعيب أصحاب علي وإنما علمك عنهم. قال عمن : فقيل له عن الحارث وصعصعة. قال : أما صعصعة فكان خطيباً تعلمت منه الخطب وأما الحارث فكان حاسباً تعلمت منه الحساب)). وذكر العسقلاني صعصعة بن صوحان في القسم الثالث من (الإصابة) ((فقال له رواية عن عثمان وعلي ، وشهد صفين مع علي وكان خطيباً فصيحاً وله مع معاوية مواقف. وقد ذكر الذهبي صعصعة فقال : ((ثقة معروف)) ، ونقل القول بوثاقته عن ابن سعد وعن النسائي ووضع على اسمه الرمز الى احتجاج النسائي)). كما يذكر محب الدين الطبري صاحب كتاب : (لم تكن ردة) وغيره من المؤرخين السنة : ((…، أن شيعة علي في البحرين شاركوا مع الحسن والحسين في الجهاد أيام خلافة عثمان بن عفان وكانوا بين الجيوش التي حاربت الروم في أفريقيا وفتحت طرابلس واتجهت إلى المغرب الأقصى. كما شاركوا مع جيش سعد بن أبي وقاص في معارك آسيا وفتح طبرستان ، كما أن الخليفة عثمان بن عفان ، عين بعضهم ولاة في الأمصار، ومنهم على سبيل المثال: الصحابي الجليل حكيم بن جبلة العبدي، وقد تولى إمارة السند في عهده ))، و كان مشهوراً بالشجاعة والولاء لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، واستشهد في معركة الجمل هو وابنه وأتبعاهما بعد أن رفضوا نزع البيعة من الإمام علي عليه السلام ، وقد بكى الإمام علي ، عليهم وقال : ((..قتلوا شيعتي ، وقتلوا أخا ربيعة العبدي رحمة الله عليه ، في عصابة من المسلمين ، قالوا لا ننكث كما نكثتم ، ولا نغدر كما غدرتم ، فوثبوا عليهم فقتلوهم …. فقاتلوني وفي أعناقهم بيعتي ، ودماء قريب من ألف رجل من شيعتي ، …)). وخلال خلافة الإمامين علي عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام استرجعت البحرين استقرارها السياسي والاجتماعي ، ورجع أكثر من هاجر من أبنائها وتوسعت دور العلم وانتقل كثير منها خارج المساجد إلى المناطق النائية قليلة السكان ، حتى برز الكثير من العلماء والزعماء الكبار، وعرف بينهم رشيد الهجري وصعصعة بن صوحان العبدي وزيد بن صوحان العبدي وابنه سيجان العبدي والأصبغ بن نباته وأعين بن ضيعة والأعور بن بنان التميمي وجارية بن قدامة والشيخ نصير البحراني. وترك العديد من أبناء البحرين أرضهم التي استقرت على ولاية الإمام علي عليه السلام ونهجه الرائد متجهين لمشاركة الإمام علي عليه السلام نهجه في تثبيت الإسلام الجذري والدفاع عنه أمام مخلفات الاتجاه السياسي السفياني واتباعه. فالجارود العبدي مارس قدراته الخطابية وعلمه في الشريعة، وتقدم بالنصح للمخالفين لعلي عليه السلام بالعودة وتجاوز الآثار السلبية التي خلفها عدم الإستقرار السلبية التي خلفها عدم الإستقرار السياسي في الجزيرة العربية ، بينما استشهد أكثر من خمسمائة مقاتل بحراني في المعارك التي خاضها الإمام علي عليه السلام، أكثرهم من بني عبد القيس. فالحكيم بن جبلة العبدي استشهد في معركة الجمل. وشارك صعصعة بن صوحان العبدي الإمام علي عليه السلام المعركة نفسها. فقد أرسله الإمام علي عليه السلام للبصرة لمفاوضة عائشة وطلحة والزبير قبل بدء المعركة. وبقى صعصعة بن صوحان مرافقاً للإمام علي عليه السلام حتى مقتله على يد إبن ملجم المرادي. ولما انتهى الإمام الحسن عليه السلام من دفنه، وضع صعصعة احدى يديه على قلبه وأخذ الأخرى على بعض حجار القبر وضرب به رأسه حتى شجه، ثم قال: ( هنيئاً لك يا أبا الحسن، لقد طاب مولدك، وقوي صبرك، وعظم جهادك، وظفرت برأيك، وربحت تجارتك..فأسأل الله أن يمن علينا بإقتفاء أثرك، والعمل بسيرتك، والموالاة لأوليائك، والمعاداة لأعدائك، وأن يحشرنا في زمرة أوليائك، فقد نلت ما لم ينله أحد، وأدركت ما لم يدركه أحد..وقمت بدين الله حق القيام حتى أقمت السنن، وأبرت القتن، واستقام الإسلام وانتظم الإيمان ..وإن يومك هذا مفتاح كل شر، ومغلاق كل خير، ولو أن الناس قبلوا منك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكن آثروا الدنيا على الآخرة). ثم بكاه بكاءً شديداً وانشد في حضرة الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام أبياتاً رثى فيها أمير المؤمنين عليه السلام ذكرها إبن أبي الحديد: ومــن لي أن أبثك ما لديـــــا ألا من لي بأنســــك يا أخيا لذاك خطوبه نشـــــراً وطـيا طـوتك خطـوب دهــر قد تولــــى شــــــــــكوت ما صنعت إليا فلو نشــرت قـواك لي المـنايــا فلـم يغن البكاء عليك شــــيا بكيـتك يا علـــي بدر عيـــنــي نفضـت تراب قـبرك من يـديا كفى حـــزناً بـدفنك ثـم إنــــــي وأنت اليوم أوعـظ مـنك حيــا وكانـت في حــياتـك في عظـــــات ألا لو أن ذلك رد شـــــــــيا فيا أسفي عليك وطول شــوقـــي بعد استشهاد الإمام علي عليه السلام بقيت البحرين على ولائها لأهل البيت عليهم السلام فبايعت الإمام الحسن عليه السلام الذي عين زيد بن صوحان العبدي والياً على البحرين. واستقل زيد بن صوحان بالبحرين بعد اضطرار الإمام الحسن عليه السلام للصلح مع معاوية بن أبي سفيان. وخرق معاوية اتفاقه مع الإمام الحسن عليه السلام الذي نص في بعض فقراته بعدم تعرض معاوية لمحبي أهل البيت النبوي عليهم السلام. فحاولت الدولة السفيانية مراراً السيطرة على البحرين بعد رفض شيعة الإمام علي عليه السلام بقيادة زيد بن صوحان العبدي الخضوع للإرادة السياسية لسلطات معاوية ودولته، ولكن السفيانيون فشلوا في مبتغاهم حتى تحولت البحرين معقلاً للمعارضة ضد دولة بني أمية، وتوافدت الاتجاهات السياسية المعارضة والمختلفة من أقطار البلاد الإسلامية إلى البحرين الحصينة التي تحولت سواحلها إلى قلاع وحصون شاهقة. وخلال العصور الإسلامية المختلفة ظلت البحرين ثابتة على ولائها لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، أيام الخلافة الراشدة والأموية والعباسية. ويستدل مما ذكره الرحالة العرب الذين زاروا البحرين في النصف الأول من القرن الثاني عشر أن سكان البحرين الحالية، كانوا يخضعون لحكم شيوخ محليين متخصصين في علم التشريع الإسلامي الشيعي. ومنذ صدر الإسلام عرفت البحرين بالاستقرار الديني والاجتماعي والسياسي ، وبدأت خلايا علم الشريعة تنمو وتتوسع انطلاقاً من المساجد التي عم بنيانها مناطق مختلفة من جزيرة البحرين والمناطق القريبة من سواحل الجزيرة العربية كالقطيف والأحساء. ولم يكن هذا العلم ليخلوا من فضائل آل البيت عليهم أفضل الصلات والسلام والدور العظيم الذي سلكه الإمام علي عليه السلام، بعطاءات الرسول الأعظم الذي أحسن إعداده لأيام المحن والبلايا وما وعد القرآن الكريم من انقلاب بعد عهد الرسول الأعظم. وأحسن الشهيد نور الدين في كتابه الموسوم ( مجالس المؤمنين ) بقوله إن ولاية أهل البحرين لأمير المؤمنين علي عليه السلام هي لطف إلهي ، إذ قال : ( إن تشيع أهل البحرين وقصباتها مثل القطيف والأحساء من قديم الأيام إلى هذه الأيام ظاهر شائع .. ومنشأ ذلك شمول اللطف الإلهي لأهل تلك الديار.. وعلل بأن أبان بن سعيد كان عاملاً عليها مدة في مبدأ الإسلام وهو من الموالين لأمير المؤمنين عليه السلام .. وصار عاملاً عليها عمر بن أبي سلمة – وأمه أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها – وهو أيضاً من محبي أمير المؤمنين علي عليه السلام .. فغرسا فيها التشيع.) ويذكرأحمد حسين رمضاني (7) ، نقلاً عن إحدى الوثائق الإسلامية في القرن الثاني الهجري أنه: ( عندما عزم الإمام الحسين عليه السلام التوجه للكوفة بعدما أتته كتب أهلها يدعونه أن أقدم …، أرسل إلى شيعته في اليمن والبحرين والبصرة وجبل عامل ، يطلب منهم الالتحاق به في العراق ، وقد تحرك جيش من البحرين بقيادة صعصعة بن صوحان العبدي متوجهاً إلى العراق ومر البصرة في طريقه إلى الكوفة فالتحق به جماعة كبيرة، أخبرتهم أن الإمام الحسين عليه السلام قد توجه إلى كربلاء ولما وصل الجيش البحراني البصراوي كربلاء سمع منادياً من عشيرة بني أسد ينادي قتل الحسين وصحبه ، فسألوا عن قبر الحسين عليه السلام فقيل لهم هذا ، فانكبوا على تراب القبر يبكون ويضربون بأيديهم على رؤوسهم وصدورهم حزناً وحسرة على استشهاد الحسين عليه السلام ثم رفعوا سيوفهم من أغمادها وضربوا رؤوسهم بالسيوف حتى سالت دمائهم واختلطت بتراب قبر الحسين عليه السلام ،…. وكانت هذه الحادثة بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام بتسعة أيام).(8) ويقول المؤرخون: ( وبرغم الحصار الذي فرضه الأمويون على أهل البحرين لمنعهم من الالتحاق بحركة الإمام الحسين عليه السلام في الكوفة بعد رسالة مسلم بن عقيل له ، استطاع صعصعة بن صوحان العبدي على رأس عدد من مقاتلي البحرين اختراق جيوش وعيون بني أمية وانظموا بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء إلى جيش المختار بن عبيده الثقفي رضوان الله عليه في الكوفة، وقاتلوا معه في معركة الجاثليق حتى استشهدوا ). ونقل عن السيد الخونساري في موسوعته (روضات الجنات) : ( أهل البحرين قديموا التشيع .. متصلبون في أمر الدين ، وقد خرج من البحرين من علمائنا جم غفير، ورشيد الهجري الذي هو في درجة ميثم التمار، ومن جملة حاملي أسرار أمير المؤمنين). فرشيد الهجري ، قد تلقى من علوم أمير المؤمنين علي عليه السلام الكثير حتى سماه الإمام علي عليه السلام (رشيد البلايا) والرزايا لما عرف عنه من علم بحوادث الرزايا والبلايا إلى قيام الساعة. وروي عن إبن حيان البجلي عن قنوا بنت رشيد الهجري أنها قالت : (سمعت من أبي يقول : أن أمير المؤمنين علي عليه السلام سأله: يا رشيد كيف صبرك إذا أرسل عليك دعي بني أمية، فقطع يديك ورجليك ولسانك؟). فقال: آخر ذلك في الجنة. فقال الإمام علي عليه السلام: يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة. قالت قنوا: فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه عبيد الله بن زياد الدعي، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين علي عليه السلام، فأبى أن يتبرأ منه. فقال له الدعي : فبأي ميتة قال لك تموت؟ فقال أبي : أخبرني خليلي أنك تدعوني إلى البراءة فلا أتبرأ منه، فتقطع يدي ورجلي ولساني. قال لأكدبن قوله. قالت قنوا : فقدموه فقطعت يديه ورجليه وترك لسانه، فحملت أطراف يديه ورجليه. فقلت : ياأبتي هل تجد ألماً أصابك؟ فقال : لا يا بنيه إلا كالزحام بين الناس. فلما احتملناه وأخرجناه من القصر..اجتمع الناس حوله. فقال رشيد : آتو بصحيفة ودواة واكتبوا ما أقول لكم ما يكون إلى يوم القيامة. فأرسل إليه الحجام حتى قطع لسانه ، فمات في ليلته. المصادر: 1 لم تكن ردة (ص135، 136) دار الشوق - القاهرة 1970م. 2 المستدرك ( 3/150/151 ). 3 حقيقة القومية العربيه، لمحمد الغزالي - ص 22 - دار البيان الكويت؟ 4 المعارف في سلك المشاهير من الرجال الشيعة ص206. 5 لم تكن ردة / لمحب الدين الطبري. 6 طبقات لإبن الاسد خ6 ص154. 7 شيعة اهل البيت / ص71 طبعة بيروت 1966م. 8 ( وقد ذكر محب الدين الطبري الشافعي في كتابه ، عن توجه هذا الجيش البحراني إلى العراق للالتحاق بالإمام الحسين ع إلا أنه لم يذكر أن الجيش مر بالبصرة ، راجع كتابه (لم تكن ردة) ص272

طباعة   البريد الإلكتروني