الرصيد الشيعي الاستراتيجي

(وقت القراءة: 6 - 12 دقائق)
الرصيد الشيعي الاستراتيجي شبكة راصد الاخبارية – 1/7/2004م يتوزع الشيعة في العربية السعودية على رقعة شاسعة تشمل مناطق شرق المملكة حيث يشكل الشيعة غالبية الكثافة السكانية رغم سياسات التغيير الديموغرافي التي لجأت إليها الدولة، ويتواجد الشيعة بأعداد غير قليلة في مناطق غرب المملكة وكذلك في الجنوب، ويقدر عدد الشيعة في السعودية إجمالاً بنسبة تتراوح بين 15% وحتى 20% من مجموع السكان الأصليين. وتمتاز أغلب مناطق الشيعة بأهمية الموقع الجغرافي و الطبيعة الجيولوجية حيث المصدر الرئيس للمخزون النفطي في المملكة.. كذلك فإن تلك المناطق الشيعية وبالأخص في المدينة المنورة والقطيف والأحساء تحتفظ بمكانة مرموقة في التاريخ، ولها من التراث ما يشهد بعمق تأثيرها في مسار تاريخ البلاد بل والعالم الإسلامي عامة.. وفي الحاضر المعاش فإن الكفاءات والكوادر الشيعية الوطنية ورغم الحصار المفروض عليهم يقدمون خدمات واسعة ويشاركون بفعالية في بناء وتطوير مجالات الحياة المختلفة في البلاد. ويتمتع أبناء الطائفة الشيعية بعلاقات إيجابية واسعة مع مختلف فئات وشرائح الشعب السعودي، ويتعاطف مع قضيتهم جميع التيارات الدينية والليبرالية وبعض أمراء الأسرة المالكة، ويظل التيار السلفي الوهابي في خندق الضد والمواجهة مع الشيعة كما مع الأطراف الوطنية السعودية الأخرى. معاناة الشيعة وتطلعاتهم: ومع هذه الخصوصيات كان يفترض أن يتمتع الشيعة في السعودية بنصيب وافر من حقوق المواطنة على جميع أصعدة الحياة العامة أسوة بباقي أطياف وشرائح الوطن، غير أن عوامل عديدة تضافرت لتجعل الدولة تتخذ تجاههم مواقف التهميش وتعتمد معهم سياسات أقل ما توصف به أنها غير عادلة ولا منصفة. وفي اعتقادي فإن الدولة تعي جيداً ما يعانيه الواقع الشيعي في البلاد من أزمات ومشاكل لا يمكن التغاضي عنها بحال، لأنها ستؤدي لا محالة ورغماً عن إرادة ورغبة الدولة ووجهاء الشيعة الذين يحاولون تهدئة الشارع الشيعي وتخفيف حدة غليانه، ستؤدي الظروف المعيشية والسياسية السيئة القائمة لتوتر الأوضاع وتشنج العلاقة من جديد. ذلك لأن وطأة الأزمة ومعاناة المشاكل التي يواجهها الفرد الشيعي في مختلف نواحي نشاطه اليومي، كفيلة بدفع الشارع كله للمطالبة بالحق في حياة أفضل، تؤمن لهم حاجاتهم الإنسانية الطبيعية، من قبيل المساواة في فرص التعليم والعمل والاستقرار الأمني. فالطموح والتطلع الشيعي لا يتمثل في تطلعات فردية للرموز فحسب، بل هي حاجة تغور بين جوانح الفرد الشيعي الذي يشعر بهضم الحقوق وضائقة المعيشة، بصورة يؤدي حرمانه من تلك التطلعات المشروعة لوقت طويل إلى انتفاض صارخ يحطم كل ما يعترض سبيل وصوله لحاجاته الأساسية وهذه طبيعة إنسانية يتساوى فيها جميع أفراد الناس! علاقة الشيعة بالدولة: اتسمت علاقة الطائفة الشيعية بالحكومة في العربية السعودية بتقاطع واحتقان حاد على مدى سنوات طويلة منذ قيام الدولة السعودية الثالثة، فيما اتضحت صورة التوتر والاضطراب أواخر عقد السبعينات مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران وحتى بداية التسعينات إذ برزت وجوه الأزمة في أشكال متعددة ومختلفة، ولسنا بصدد بيان ودراسة تلك الظروف التي أدت إلى تأزم واقع الحياة الشيعية، غير أنها تتمحض في تحالفات بين الأسرة الحاكمة وخطوط دينية تتقاطع مع العقيدة الشيعية اضطرت الدولة لانتهاج سياسة التمييز الطائفي ضماناً لتحصيل رضا وولاء تلك الأطراف الدينية المتحالفة معها، هذا فضلاً عن مخاوف النظام المبنية على سوء تقديره وفهمه لخصوصيات الشأن الشيعي، وعدم مقدرته على تفهم ظروف وأوضاع الشيعة واحتياجاتهم، وبالتالي افتراض النظام ـ انطلاقاً من هواجس وأوهام خلقتها الخلافات والعلاقة المتشنجة منذ نشوء الدولة السعودية الثالثة ـ لعدم ولاء الفرد الشيعي لوطنه وحكومته.. غير أن الواقع والأحداث التي جرت قبيل وأثناء وبعد أزمة الخليج الثانية، وكذلك موقف الشيعة الحالي في كل مناطق المملكة ضد مخاطر الإرهاب الداخلي وضد التهديدات التي تحدق بالمملكة خارجياً، كل هذا كشف بما لا يدع مجالاً للشك عن عمق الولاء الوطني لدى كافة أفراد الطائفة الشيعية وعلى مختلف مستوياتهم. كان من شأن توتر العلاقة بين الطرفين أن يؤدي إلى انفصام الوشائج الوطنية التي تربط بينهما.. ويبدو أنهما أدركا تأزم علاقتهما والمخاطر التي قد تنتج عن ذلك، فكان أن أعاد كلٌ حساباته تجاه الطرف الآخر ناظراً لطبيعة الظروف المحلية والتحولات التي شهدها العالم مع إطلالة الألفية الميلادية الثالثة.. وكما بدا فإن الطرفين قررا أن يستبدلا أدوات التعاطي فيما بينهما، وهو القرار الذي دفع الجانبين إلى دخول مرحلة ساخنة من المفاوضات السرية والتي استمرت طويلاً، حتى تمخضت عن تحولات جذرية على صعيد العلاقة والفعل السياسي. ولازال الكثيرون يعتبرون تلك نعمة إلهية حبا الله بها البلاد إذ هيأ في كلا الجانبين رجالاً امتلكوا شجاعة مخالفة التقاليد التي حكمت علاقتهما طوال عقود زمنية سابقة، متحدين خطوط الرفض لنهج الحوار والتفاهم عن قرب حول تلك القضايا العالقة والمختلف بشأنها، فقد تمَّ بالفعل تجاوز قطاعات واسعة سواءً في المجتمع الشيعي أو الفئات الأخرى من المواطنين، ولربما من داخل المؤسسة الحكومية أيضاً. لقد ارتأت المعارضة الشيعية آنذاك ـ كما يظهر ـ بأن فرصة الحوار التي أتاحها الملك فهد أجدى وأحرز لمصلحة الطائفة والبلاد من نهج المعارضة من خارج الوطن.. وتوفر على البلاد الكثير من الوقت والجهد والأموال والخسائر التي يستنزفها الطرفين المتنازعين، وبالتالي فمن شأنها الإسراع في انتزاع فتيل التوتر وإرساء وتدعيم مرتكزات الأمن والاستقرار في عموم الساحة الوطنية. كذلك كان من الواضح بأن الحكومة السعودية قد أدركت بالفعل ـ ولو متأخرة ـ خطأ سياسات العنف، الإرهاب، الضغوط، وتضييق الخناق، التي اعتمدتها في التعاطي مع الشأن الشيعي في البلاد.. فكانت تلك المبادرة التي قادها الملك فهد نتيجة دراسة متأنية لملف القضية الشيعية. ورغم الهواجس والمخاوف والتحديات التي حكمت مسيرة المفاوضات السرية، غير أن الطرفين استطاعا القفز عليها والتشبث بوميض الثقة والأمل في مستقبل أفضل للواقع الشيعي والوطني.. انتكاسة وجمود: بدا واضحاً أن الأسرة المالكة وبقيادة الملك فهد وانطلاقاً من هذه الدلائل والمؤشرات قد أعادت حساباتها تجاه الطائفة الشيعية، وذلك حين عمدت لحلحلة الأزمة القائمة بالسعي للتفاوض مع المعارضة الشيعية، في خطوة جريئة وناذرة من نوعها وذلك في مطلع التسعينيات كما سبقت الإشارة. إلاَّ أن البعض كان قد حذر المعارضة الشيعية من المضي في هذا الطريق وأوضح لهم مغبة الوثوق بوعود الحكومة استناداً إلى طبيعة مسارات التفكير السائدة لدى الأسرة والمؤسسة الحاكمة.. تلك الأنماط الفكرية العتيقة المستمدة من عقلية قبلية لا تحتمل الاختلاف ولا تقوى على التزام التسامح والقبول بالرأي الآخر.. غير أن المعارضة آنذاك كانت لها حسابات أخرى، وبدا واضحاً بأنها كانت تعول كثيراً على تحول جذري في أجهزة الدولة يقوده الملك فهد مسايرة للمتغيرات الدولية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي وتحطم جسر برلين، وتصاعد حركة حقوق الإنسان في العالم، وما تبعها من قرار الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة أثناء انعقاد دورتها للعام 1993 حيث خصصت العام 1995 ليكون «عام التسامح الدولي» وهاهي السنوات تنصرم من عمر المصالحة بين المعارضة الشيعية والنظام السعودي.. فترى ما الذي حققته؟. هل اعترفت الدولة بالمذهب الشيعي؟! أمْ سمحت لمعتنقيه أن يمارسوا بحرية شعائرهم العبادية وفق طقوس مذهبهم؟! هل توقفت سياسات التمييز الطائفي في قطاع الوظائف العامة والتعليم العالي؟! أمْ استُبدلت مناهج التعليم في جانبيها العقائدي والتاريخي في مناطق الوجود الشيعي لتساير رؤيتهم المذهبية والتاريخية؟ بل هل اسُتبعدت من هذه المناهج دعوات التكفير ورمي الشيعة بالشرك والطعن في عقائدهم المذهبية؟! وماذا عن حق الشيعة في بناء المساجد وإقامة البرامج الدينية بتمويل ورعاية مباشرة من قبل وزارة الأوقاف عبر تشكيل هيئة أو لجنة من علماء الشيعة ضمن أجهزة الوزارة؟! وما هو مصير الكتاب والثقافة الشيعيين؟! وقبل ذلك هل اعتُمد القضاء الشيعي في محاكم المناطق الشيعية بدلاً من تشويهه وحصاره بين أحكام الإرث والوقف؟! ورغم ما تشكله مناطق الشيعة في شرق البلاد كمصدر وشريان رئيس لاقتصاد الوطن فقد عانت هذه المناطق حرمان شبه تام من خطط التنمية وتم الاكتفاء بشكليات الاهتمام في نطاق الأعمال والتحسينات البلدية فهل شهدت مناطق الشيعة تنمية شاملة حقيقية. بات من الواضح للمراقب بأن شيئاً من ذلك لم يتحقق، ولم تزل الأوضاع تسير وفق الوتيرة الطائفية القديمة، وتكررت تجاوزات رجال الأمن واعتداءاتهم على المواطنين الشيعة، بل لعلها فاقت في جانب معين ما كانت عليه في السابق، ففي الوقت الذي تُعلن الدولة وعبر أعلى مسؤول فيها عن عفو حاتمي عام وغير مسبوق عن قيادات وأفراد عصابات الإرهاب التي عاثت في البلاد قتلاً وسفكاً للدماء وتخريباً وتدميراً للممتلكات طوال الأعوام الأخيرة، ما تزال تصر على اعتقال أبناء الطائفة الشيعية بحجج وذرائع واهية، يستوي في ذلك شيعة القطيف والأحساء ونجران ، وعلى رأس القائمة المعتقلون المنسيون الذين احتوشتهم قضبان سجون الحائر على خلفية تفجير أبراج الخبر وهم منه براء براءة الذئب من دم يوسف، وحري بنا أن ننظر المفارقة الصارخة بين اعتقال الشاب الشيخ حسن آل زايد على خلفية توزيعه كتيب شيعي على بعض زملائه الشيعة، وبين الصمت والسكوت المطلق في قبال طباعة إدارة مدرسة الخليج الثانوية بالدمام بحث الطالب حمد بن ناصر الجويسم المعنون «كشف الأسرار» والذي أشرف عليه مباشرة أستاذ مادة الدين المعلم محمد البقمي، وقد حوى البحث تكفيراً صريحاً للشيعة ودعوة لمحاربتهم وقتلهم، وحتى اللحظة لم تتخذ المؤسسة التعليمية أو أي دائرة حكومية أخرى أي إجراء فعال بحق هذا التعدي على حرمة المواطنين الشيعة وحقوقهم. الأمل المفقود: لقد راهن الشيعة على قدرة النظام على تفهم خصوصية الشأن الشيعي والتعاطي معه بروح رياضية تتجاوز إرث الأحقاد والضغائن التي ولدها سوء الفهم والبعد عن مجريات الحياة اليومية في مناطق الوجود الشيعي.. وتمسك كثيرون بمراهناتهم في أن تواصل الحكومة مشوار التسوية مع الشيعة، فتصلح مفاسد وأخطاء الماضي البغيض ـ إن صحًّ إطلاق صفة الماضي عليه وهو مازال معاشاً ولكننا نتمنى أن يصبح كذلك عما قريب ـ . ويكاد الأمل في تنفيذ النظام لوعوده في مجال الحرية العبادية والثقافية، واحترام الخصوصية المذهبية في مجال القضاء والتعليم، ورفع التمييز والمضايقات عن المواطنين الشيعة.. هذا الأمل تبخر أو كاد، وبالتالي فإن الدولة تدفع بالشيعة إلى مرحلة اليأس من الثقة بها وانتظار مبادرة صاحب القرار السياسي بحل الأزمة، وعليه ليس أمام الشيعة ـ حسب ما يبدو ـ سوى البحث عن خيارات أخرى لتسوية أوضاعهم. إلى أين؟ : إن الشارع الشيعي في العربية السعودية يعيش حالة من التململ والقلق، وتتناقل ألسنة الناس في المجالس والمحافل العامة أسئلة حائرة تعبر عن مخاوفها من المستقبل الغامض الذي ينتظر الطائفة، بعد وصول عملية المصالحة التي تمت مطلع التسعينات إلى طريق مسدود ـ كما يبدوا ـ. وهناك أخبار يتداولها الناس في المجالس عن نية عوائل المعتقلين المنسيين طلب لقاء مع ولي العهد السعودي للنظر في شأن استمرار اعتقال أبنائهم دون تهمة ثابتة. إن الناس عامة تتوجه بأسئلتها إلى رموز المعارضة الذين خاضوا مع النظام تجربة المفاوضات الطويلة.. هل ما زال هناك أمل يستحق الصبر والانتظار، هل نراهن على إنصاف النظام لقضايانا واحتسابنا في جملة أبناء الوطن على قدم المساواة في الحقوق والواجبات؟! وفي الواقع فإن الجماهير الشيعية بمختلف تياراتها التزمت الصمت تعويلاً على الأمل في تغير سياسة النظام، آملين أن تنجح مراهناتهم، لكن حركة الأحداث لا تشير إلى أيَّ تقدم حقيقي مرتقب، وكم يؤسفنا إصرار الأسرة المالكة والمؤسسة الحاكمة على التزام نهج التعسف والاضطهاد لشريحة واسعة من المواطنين، حتى بعد إعلان هيئة الأمم المتحدة لميثاق حقوق الأقليات في ديسمبر1992 وكأنهم مصرون على استمرار التعامل بذات الأدوات والوسائل القديمة التي بات العالم أجمع يرفضها ويدينها!!. وأكاد أجزم بأن كافة الشيعة كانوا يتمنون أن تنجح (مجازفة) المعارضة مع الحكومة أوان ظهورها للعلن، وأن يوفق الطرفان لاكتشاف آليات جديدة تتناغم مع حركة التطور العالمية.. حيث ثقافة العدل والتسامح والتعددية والقبول بالآخر المختلف.. فضلاً عن الديمقراطية والحرية الشاملة لجميع نشاطات الإنسان اليومية. ولم يكن التيار الرافض لعملية المصالحة في بدء انطلاقتها سوى أفراد قلة وربما مجاميع ليست ذات ثقل سياسي ولا اجتماعي أيضاً، أمَّا الآن ـ وبعد مرور أكثر من عقد على تلك البداية ـ فإننا نشعر بتنامي تيار عريض في الوسط الشيعي.. يغلي الشرر داخله لتفاقم سوء الأوضاع المعيشية والاجتماعية والسياسية، وهو مهيأ للانفجار في أية لحظة ولربما دون إنذار مسبق، لكنه مازال يمضي في التشبث بخيط الأمل الرفيع والأخير، وهو بذلك يعطي الحكومة فرصة أخيرة لإعادة النظر فيما يجري حالياً داخل المناطق الشيعية.. أمَّا فيما لو استمرت الأوضاع تسير وفق ما هو قائم الآن من تهميش وتجاهل للوجود وللشأن الشيعي، ومحاولة تجاوز وتذويب الخصوصية المذهبية، حيث يبدوا وكأن الدولة تخطط وتسعى جاهدة لإغلاق الملف الشيعي، وربما هي تعول في ذلك على ذوبان مركز الثقل المؤثر في المجتمع الشيعي، فإذا هي ظلت تعتمد هذه السياسة ولم تقدم على إنصاف الشيعة والاعتراف بهم كجزء من الشعب، وبالتالي لم تمنحهم كافة حقوقهم الطبيعية والإنسانية والمدنية فإن أحداً لا يدري ما الذي سيحدث آنذاك، خصوصاً وأن انفجار الأوضاع سيكون عقب فترة من ضبط النفس وكظم المشاعر وهو الأمر الذي يؤدي دائماً إلى انفجار عنيف ومدمر.. الطريق من هنا: من هنا يفترض بالدولة أن تسارع لفتح مسارات الإصلاح وتدفع بعملية المصالحة خطوات كبيرة للأمام، تفويتاً لاحتمالات التوتر والاضطرابات الشعبية المتوقعة، إذا هي فعلاً كانت تريد الحفاظ على استتباب الأمن والاستقرار، ولن يتم ذلك إلاَّ بإرساء قاعدة المساواة بين المواطنين والكف عن ممارسة سياسات التمييز المذهبي والطائفي، وكذلك بالتوقف عن مصادرة الهوية الذاتية للشيعة، وفي ناحية الفعل فإنه يتوجب الإسراع في تحقيق أبرز المطالب الشيعية المشروعة وهي: 1- الاعتراف الرسمي بالمذهب الشيعي. 2- استقلال القضاء الشيعي واعتماد رؤى المذهب الشيعي في محاكم المناطق الشيعية. 3- إعطاء الشيعة الحق في صياغة مناهج الدراسة لأبنائهم في مجالات العقيدة والفقه والتاريخ. 4- توفير الحماية القانونية للشيعة ضد التعدي على معتقداتهم وتكفيرهم بما يوجب سحب تلك الفتاوى الصادرة بحقهم من علماء المؤسسة الدينية الرسمية وتجريم أي فعل مماثل قد يقع مستقبلاً. 5- ضمان مبدأ تكافؤ الفرص لأبناء الشيعة أسوة بباقي المواطنين في قطاعات التعليم والعمل بما في ذلك القطاع الأمني والعسكري. 6- شمول المناطق الشيعية بالخطط التنموية وبالمستوى الذي يضمن التعويض عن الحرمان والتهميش الماضي والحاضر. 7- السماح بتأسيس الأجهزة الإعلامية التي تعنى بالشأن الثقافي والديني الشيعي، ومساواتها في الدعم الحكومي بمثل ما تحظى به الأجهزة والمؤسسات الإعلامية الأخرى في البلاد. ويمكن للقارئ ملاحظة أن جميع هذه المطالب، يجمعها إطار واحد يتمثل في إنهاء سياسة التمييز وإرساء مبدأ المساواة في التعاطي مع شؤون الشيعة الوطنية العامة وهو حق طبيعي لكل مواطن، فمتى ما تمَّ هذا فإن الفرد الشيعي سينصهر في التكوين الوطني ولن يعود يشعر بالغربة والاستلاب وفقدان الهوية، بخلاف ما هو قائم الآن حيث التهميش المطلق الذي يُشعر كل فرد شيعي بالاضطهاد والمظلومية. وبنظرة مستقبلية واعية يتضح بأن هذا الخيار أصلح للبلاد ـ حكومة وشعباً ـ من التعنت والعصبية التي قادت وحتى الآن إلى الحيف والذي بدوره خلق التشنجات والاحتقانات الشعبية، وأوجد القطيعة بين المواطنين والحكومة. ولنا أن نشير إلى أن أروقة الحكم مازالت بحاجة إلى حملات تطهير وفرز لأولئك الأشخاص الذي دأبهم صب الزيت على الشرر، وهم مّنْ يقف اليوم حجر عثرى في سبيل إتمام عملية الوفاق التام بين الشيعة والدولة، إذ أنهم يعمدون إلى افتعال الأزمات للمواطنين ويرصدون ردات فعل الناس ثم يضخمونها بصورة درامية لإيغال قلوب كبار الأسرة الحاكمة ضد الطائفة والمذهب. وبدون هذه الخطوات العملية فإن استشراف مستقبل العلاقة الشيعية/السعودية أمرٌ لا يدعو أبداً إلى أدنى مستويات التفاؤل، بل لعلنا نلمح حالياً مؤشرات تدعو للقلق على ما ستؤول إليه الأوضاع في غضون الحقبة الزمنية القادمة.. وكم يؤلمنا أن تظل بلادنا حتى الآن غير قادرة على صنع آليات التلاحم الوطني وتكوين سبل الحياة المستقرة لكافة أبناء الوطن الموحد. فمن المؤكد لو استمرت الأوضاع الراهنة على ما هي عليه، فسيكون الشيعة معذورين أمام الله والتاريخ وأمام أنفسهم وشعبهم إذا ما اضطروا للاستدارة للوراء واستقبال الطريق الآخر، وتناسوا عرس المعارضة الشيعية مع النظام، فلم يعد الحال يحتمل التأجيل والانتظار خصوصاً مع وجود عشرات المعتقلين الشيعة على خلفية طائفية وسياسية يرزحون داخل زنزانات وأقبية سجون النظام في الرياض ونجران والقطيف والأحساء، لا يُعرف مصيرهم، ولا التهم الموجهة ضدهم، ولا ظروف حياتهم داخل السجون.. وهكذا تكون الفرصة قد أزفت لتحدد الدولة قرارها بأن تحلحل المشاكل العالقة عبر القنوات السائدة، وتوفر على البلاد حكومة وشعباً.. ما يمكن أن ينتج عن اللجوء إلى السبل والوسائل الأخرى.

طباعة   البريد الإلكتروني