تاريخ الدروز

(وقت القراءة: 14 - 27 دقائق)

التاريخ أصل التسمية

يشير الدروز إلى أنفسهم باسم الموحدون نسبة إلى عقيدتهم الأساسية في "توحيد الله" أو بتسميتهم الشائعة "بنو معروف" ويعتقد الباحثون أن هذا الاسم هو لقبيلة عربية اعتنقت الدرزية في بداياتها أو ربما هو لقب بمعنى أهل المعرفة والخير [11]، أما اسم "دروز" فأطلق عليهم نسبة إلى نشتكين الدرزي الذي يعتبرونه زنديقا و محرفا للحقائق و يكره الدروز هذا الإسم ويرفضونه بل يشيرون إلى إن هذا الإسم غير موجود في كتبهم المقدسة ولم يرد تايخيا في المراجع التي تكلمت عنهم.

بدء الدعوة

بدأت دعوة الموحدين بالانتشار في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي بوساطة النذر (المبشرون)؛ يبشرون بقدوم دعوة التوحيد، وكان النذير الأول في دعوة النذر أبا الخير سلامة بن عبد الوهاب السامري الذي أخذ يهيئ الناس لتقبل دعوة التوحيد، وبعد سبع سنين تسلم الدعوة أبو عبد الله محمد ابن وهب القرشي في 394ه، وبعد سنوات ترأس الدعوة أبو إبراهيم إسماعيل بن محمد التميمي وذلك سنة 401ه. وفي سنة 407ه اتخذ الدعاة مسجد ريدان خارج أسوار القاهرة مركزا يجتمعون فيه بكبير الدعاة حمزة بن علي بن أحمد الشهير بالزوزني نسبة إلى ولادته في زوزن بإيران. وفي سنة 408ه دعا حمزة إلى (تجلي القدرة الإلهية في صورة الحاكم بأمر الله البشرية)، وأصبح حمزة من دعاة الحاكم بأمر الله، وينظر إليه على أنه المؤسس الحقيقي للمذهب الذي عده الفاطميون خروجا وبدعة.[12]

انتشرت دعوة الموحدين في زمن الحاكم بأمر الله الفاطمي بطرق كثيرة؛ منها الدروس التي كانت تلقى بالجوامع والأماكن العامة بوساطة دعاة كثيرين، وقد لاقت الدعوة رواجا ولاسيما في وادي التيم وحلب وأنطاكية وصفد والشوف والعرقوب والمتن، غير أن تعرض الموحدين لأزمات كثيرة مثل اضطهادهم أو صعوبة نشر الدعوة والعداوة والحروب التي شنت ضدهم وغيرها؛ أجبرتهم على النزوح إلى الجبال.

في الأول من شهر محرم سنة 408ه، نودي بحمزة بن علي بن أحمد إماما للموحدين، وأخذ الدعاة يدعون الناس إلى التوحيد، ويأخذون على من استجاب ميثاقا يكتبه على نفسه ويتعهد فيه باتباع أوامر الدعوة، هذا في الوقت الذي كان قد ظهر بمدينة القاهرة سنة 408ه/ 1017م مع حمزة اثنان هما حسن بن حيدرة الفرغاني المعروف بالأخرم، ومحمد بن إسماعيل الدرزي المعروف بنشتكين. وكان الدرزي أسبقهم إلى نشر الدعوة إذ تسمت باسمه، ورأى هؤلاء الثلاثة تنافس الناس على موالاة الحاكم، ونسب أفعاله إلى أسرار خفية غير بشرية. وسميت سنة 408ه عند الموحدين؛ وهي السنة الأولى لظهور حمزة بالدعوة «سنة الكشف»، وهي السنة التي أعلن حمزة فيها تجلي القدرة الإلهية في صورة الحاكم، وظهرت بعدها حماقات الداعي نشتكين الدرزي الذي نسب الدروز إلى اسمه ولاسيما في ديار الشام.

ظهر حمزة بالدعوة في أثناء السنوات 408ه و410ه و411ه، أما سنة 409ه فقد استثنيت من سني حمزة. وبعد غيبة الحاكم عند اخر سنة 411ه اختفى حمزة في أوائل سنة 412ه من وجه نقمة طوائف المسلمين عليه.

وبسبب ارتداد نشتكين ونكوثه بعهوده تجاه مذهب التوحيد، واعتقاده أنه أولى بالإمامة من حمزة واستغلال مكانته في القصر وتسلطه على بيت المال، واستقلاله بكتابة الرقاع إلى بعض الدعاة الإسماعيليين فقد وقع الخلاف بينه وبين حمزة؛ فكتب إليه حمزة محذرا ودعاه إلى الإقرار بإمامة حمزة حتى تميل إليهم قلوب العالم وترتفع ألسنتهم عنه (رسالة الرضا والتسليم)، إلا أن الدرزي مضى في غيه وغطرسته ومعاندته، وأصبح بنظر حمزة والدروز من بعد «الضد» على الإطلاق، وأصبح نشتكين حاسدا متكبرا عاصيا، يقول فيه حمزة «وغطريس هو نشتكين الدرزي الذي تغطرس على الكشف بلا علم ولايقين. وأبى أن يسجد لمن نصبه المولى جل ذكره وقلده واختاره وجعله خليفة في دينه. فتغطرس على الدين طالبا للرئاسة» (رسالة الغاية والنصيحة)

ويعد الدرزي بنظر حمزة والدروز هو «العجل» والعجل هو الضد، وقد أصبح كل ضد يسمى العجل. وسمي الضد عجلا لأنه ناقص العقل، عجول في أمره. وبسببه أخذ الدروز اسمهم من الدرزي؛ واتهمهم الجهال من الناس بعبدة العجل، ولكن الدروز يرفضون الدرزي ونسبتهم إليه. وإن تسمية الموحدين بالدروز وشهرتهم بهذا الاسم هي تسمية غير محببة لهم، لأن نشتكين قد شوه مذهبهم وأساء إليه بإضافة اراء مخالفة له، وإن وجود أنصار له إنما انخدعوا ببدعته ويمثلون عنصر فساد في صفوف الموحدين، وإن اسمهم المعروف في التاريخ «بالدروز» لا أثر له إطلاقا في الحكمة عندهم. أما تسميتهم بأهل التوحيد أو «الموحدون» فذاك هو الصواب عندهم لأن وحدانية الله لا جدال فيها؛ كما هي قاعدة الديانات السماوية، تؤمن بها الشعوب وتعلنها مهما اختلفت التعريفات، وإن معرفة التوحيد غاية الفئة المختارة على الرغم من مشقة بلوغها، فالصوفيون يقولون: إن التوحيد هو الحقيقة وتبدو فيها معرفة الله للعارفين.

ويعرف الموحدون أيضا ببني معروف لأنهم حظوا بمعرفة اللاهوت في صورة الناسوت.

تعليق الدعوة

غضب الحاكم بأمر الله من الانحرافات والمخالفات التي أثارت النزاعات وسببت العداء وأمر حمزة بن علي بتعليق الدعوة سنة 1018 م (409 ه). وفي اخر يوم من سنة 409 هجري (1018م.) زحف الدرزي وأتباعه، على مسجد ريدان قرب قصر الخليفة، مقر الإمام حمزة بن علي، ولم يكن مع حمزة بن علي داخل المسجد سوى اثني عشر نفرا، بينهم الدعاة الثلاثة الذين بشروا بالتوحيد في دور النذارة وهم؛ إسماعيل بن محمد التميمي، ومحمد بن وهب القرشي وسلامه بن عبد الوهاب السامري، وكان معهم بهاء الدين علي بن أحمد الطائي الذي كان قد خدم الدعاة الثلاثة في دور النذارة، وأيوب بن علي، ورفاعة بن عبد الوارث ومحسن بن علي. موت الدرزي Fakhreddin castle in Palmyra

لم يفلح المهاجمون في اقتحام المسجد طيلة النهار. ولما ظهر الحاكم بأمر الله على شرفة القصر المطل على المسجد صعق المحاصرون لهيبته وتفرقوا. وفي اليوم التالي، أول يوم من سنة 410 هجري (1018 م.) قتل الدرزي.

سارة

عندما نكث سكين وكان داعيا لمذهب التوحيد في وادي التيم وانحرف عن الدعوة، رأى بهاء الدين أن يتدبر الأمر بالحسنى ويحاول قطع الطريق على هذا الداعي المنحرف، فأرسل إليه ابنته السيدة سارة، وكانت تدعى بصاحبة العفة والطهارة وعرفت بالتقوى والعلم وقوة الحجة، وترأست وفد من الدعاة، وقد رضي هؤلاء الدعاة أن تكون على رأسهم امرأة.

سكين

وكانت مهمة السيدة سارة محفوفة فقد سبقها الداعي عمار فأوقع به جماعة سكين وقتلوه. استجاب البعض من جماعة سكين إلى السيدة سارة وعادوا إلى مسلك التوحيد، غير أن سكين مع نفر من الفاسقين رفضوا دعوتهاوأضمر معهم لهاالشر، وخططوا للايقاع بها.لكن ذلك فشل إذ قاد الأمير معضاد بن يوسف، أمير من أمراء الغرب في جبل لبنان، حملة عسكرية وهاجم سكين وأعوانه وهزمهم ولم ينج إلا القليل، وكان سكين قد هرب من المعركة شبه عار و ظل يسير إلى أن وجد منزل متطرف في أحد قرى جبل الشيخ وكانت قربه امرأة موحدة تخبز على التنور، فأقترب منها وطلب أن تدفئه وتطعمه، فغافلته ودفعته إلى التنور فمات حرقا.

غيبة الحاكم بأمر الله

في ليل 27 شوال سنة 411 ه (12/13 شباط سنة 1021 م.) غادر الحاكم بأمر الله قصره قاصدا وكعادته في كل ليلة جبل المقطم، ولكنه لم يعد. وباحتجاب الحاكم علق الإمام حمزة الدعوة، وغاب هو وأخوته إسماعيل بن محمد التميمي، ومحمد بن وهب القرشي وسلامه بن عبد الوهاب السامري بعد أن سلم أمور الدعوة إلى بهاء الدين علي بن أحمد الطائي.

الظاهر

وباحتجاب الحاكم بأمر الله اعتلى عرش الخلافة الفاطمية الأمير علي الملقب بالظاهر. حقد الخليفة الجديد، الظاهر، على حمزة وأتباعه لأنهم لم يعترفوا له بالإمامة التي كان الحاكم بأمر الله قد قلدها لحمزة بن علي بعد أن أنتهي دور التأويل بقيام دعوة التوحيد.

زمن المحنة

أراد الظاهر الفتك بالموحدين مع أنه كان قد تعهد للحاكم بأمر الله بعدم التعرض للموحدين بأربعين قسم فأراد الظاهر إيجاد فتوى للتخلص من هذه الأيمان فجمع المشايخ فأفتوى له بالصوم أربعين نهار فما مضت الأربعين على احتجاب الحاكم بأمر الله حتى أقام الظاهر على الموحدين محنة هدر فيها دمائهم في أنحاء مملكته، من انطاكيا شمالا إلى الإسكندرية جنوبا، مما جعل بهاء الدين يقوم بحجب الدعوة أكثر أيام المحنة. أهم محنتان تعرض لهم الموحدون في هذه الفترة هما؛ محنة حلب ومحنة إنطاكية، حيث قتل الألوف منهم بعد العذاب والتنكيل. فكان رجال الظاهر يذبحون الموحدين ويرفعوا رؤوسهم على الرماح، أو يحرقونهم في النار، أو يعملوا فيهم السيف ويبقرون البطون ويقطعون القلوب والأكباد. وكانوا يصلبون الرجال على الصلبان، ويسلبونهم أموالهم، ويسبون النساء والأولاد ويذبحون الأطفال الرضع في أحضان أمهاتهم. دامت المحنة سبعة سنوات قاسية كانت بمثابة امتحان للموحدين، والديانة الحقة لا تصح إلا عند الامتحان وقد سلط الباري عز وجل خلال سنتي 10251027 على أهالي مصر وباء الجفاف وانتشار الفئران بشكل لم يعد الأطفال والناس في مأمن على شرابهم وطعامهم ومحاصيلهم وأصاب بعض من الوباء بلاد الشام مما ساهم في إلهاء الناس وشغل الدولة الفاطميةعن البطش بالموحدين .

متابعة الدعوة

سنة 417 ه (1026 م) شهر بهاء الدين الدعوة من جديد. فبادر بهاء الدين بنشر الدعوة من جديد، فنصب الدعاة ونص الرسائل وأخذ المواثيق على المستجيبين ليوصلها إلى الإمام حمزة بن علي. فاستمرت ثورة مسلك التوحيد على التكليف التقليدي. فالتوحيد هو في حقيقته حرية وقوة ومحبة. وثورة التوحيد تسعى إلى تحقيق الإنسانية في الإنسان. إنها تحرر الإنسان ولا تستعبده، وتوجهه في اتجاه العلم والمعرفة. إن الإنسان يتميز عن المخلوقات الأخرى بالعقل الذي يمكنه من تحقيق الإنسانية فيه. والإنسانية هي شعور الإنسان بأنه واحد بالواحد. فمن ضعف أمام الشهوات والأهواء يصبح شبيها بالحيوان. ومن يضعف أمام المصالح الشخصية والمكاسب المادية هو بعيد كل البعد عن التوحيد ومفهومه. لهذا، وعندما يتبين لبعض الذين استجابوا لدعوة التوحيد أنها لا تتفق ومصالحهم فسرعان ما يرتدون عنها إلى ما تمليه عليهم مصلحتهم ومطامعهم. انتشرت الدعوة واتسع نطاقها، غير أن الصعوبات التي واجهت بهاء الدين من الداخل كانت أشد وطأة من أعداء الخارج. فبعض الدعاة أفسدوا العقيدة وانحرفوا في تعاليمهم وسلوكهم عن المثل الأخلاقية للدعوة. حاول بهاء الدين في عدد من الرسائل وضع حد لهذه المحاولات ولكنه فشل. فجرد هؤلاء الدعاة من الصلاحيات التي أسندت إليهم، وأوصى الموحدين الحذر من كل من يدعي السلطة. وأوطد مبادئ ودعائم المساواة بين الموحدين بحيث لا يتميزون إلا في حفظ الحكمة والسلوك وفقا لتعاليمها. عودة المحنة لقاء الزعماء الدروز والعثمانيين في دمشق، حول السيطرة على جبل الدروز.

سنة 1035 م (426 هجري) عاد الخليفة، الظاهر، إلى الفتك بالموحدين وذلك للقضاء على نشاطهم في بث التوحيد. ولكن بهاء الدين تدارك الأمر وعلق الدعوة. سنة 1036م. (427 هجري) مات الظاهر وتسلم الخلافة أبنه المستنصر بالله. عاد بهاء الدين إلى القاهرة والتقى بالخليفة الجديد، فأعجب الخليفة ببهاء الدين وعينه قاضيا له ومدرسا في القصر ومفتيا للناس. متابعة وإغلاق الدعوة

وفي سنة 1037 م (429 ه) أمر بهاء الدين بفتح الدعوة ومتابعة نشاطها من جديد، واستمرت حتى سنة 1043 م (435 ه) حين أمر بهاء الدين بإقفال الدعوة نهائيا مستودعا الموحدين حقائق الحكمة يستدلون بها على مسلك التوحيد ويهتدون بهديها في تحققهم بالواحد الأحد المنزه عن الوجود، وأوصاهم بحفظ معالم الدين والإيمان. التاريخ الحديث في سوريا محاربون دروز يستعدون للذهاب إلى المعركة مع سلطان پاشا الأطرش عام 1925. الدروز يحتفلون باستقلالهم عام 1925. اجتماع زعماء الدروز في جبل الدروز، سوريا، 1926.

يعود التاريخ السياسي للدروز إلى نحو ألف سنة فبعد أن اعتنقت بعض العشائر التنوخية في جبل لبنان مذهب التوحيد وتغلبهم على المحنة وفرضهم لوجودهم في بلاد الشام غدوا لاعبا أساسيا في تاريخ المنطقة فقد ساهم التنوخيون الدروز في مقارعة الصليبين لا سيما في معركة حطين وكسبوا ثقة الزنكيين والأيوبيين وقوي وجودهم في ظلهم وبرزت من وقتها عائلات الدروز العريقة كأرسلان واللمعيين وغيرهم ثم تابعوا تقوية نفوذهم بالوقوف مع المماليك ضد التتار والمغول ولا سيما في معركة عين جالوت وقفوا مع العثمانيين ضد حملة محمد علي ضد بلاد الشام وصمدوا في جبل العرب جنوب دمشق حوالي سنة بقيادة الشيخ يحيى الحمدان حاكم الجبل في تلك الفترة، حيث كبدوا المصريين خسائر فادحة فيما يعرف بمعارك (اللجاه) وظلت العلاقة مع العثمانيين في أخذ ورد حيث كانوا يقوموا بالتمرد على السلطة العثمانية.

وفي ٢٥ أيلول ١٩١٠، خرجت حملة عسكرية تركية بقيادة سامي باشا الفاروقي تبسط سيطرتها على مدينة السويداء في جبل العرب. كانت الحملة قد أرسلت إلى الجبل بعد اشتباكات بين الدروز في جبل العرب وأهالي حوران بلغت ذورتها بإغارة أهالي جبل العرب على بلدة بصرى الشام. قررت الدولة العثمانية إرسال حملة لإخضاع الدروز ونزع سلاحهم. ضمت الحملة ٣٠-٤٠ ألف جنديا وجعلت درعا مركزا لها. تصدى الدروز للحملة وجرت معارك سقط فيها المئات لا سيما في وادي مفعلاني (قرب قرية مفعلة) حيث كان العثمانيون على شفا الهزيمة. انتهت الحملة ببسط سيطرة الدولة العثمانية على الجبل وتم اعتقال وإعدام العشرات من وجهائه، من بينهم حاكم الجبل يحيى الأطرش الذي اعتقل لفترة قصيرة وذوقان الأطرش (والد سلطان الأطرش قائد الثورة السورية ضد الفرنسيين عام ١٩٢٥) والذي أعدم في اذار ١٩١١.

وكان الحكم العثماني يبعث الحملات إلى الجبل للسيطرة عليه دون جدوى ولما سيطر القوميين العنصريين الأتراك وصاروا ينتهكون حرمات الجبل وعاداته ويعدمون الأحرار ومنهم ذوقان الأطرش ويحيى عامر وعدد من الأحرار أعدموا عام 1911 ويضيقون على العرب عموما.

فقام الدروز بمحاربتهم ثم أعلنوا الولاء للشريف حسين وتطوع المئات منهم في الجيش العربي فيما شكل سلطان الأطرش في جبل الدروز بسوريا قوة فرسان سارت مع الجيش العربي من الجبل وكانوا في طليعة الذين دخلوا دمشق ورفعوا العلم العربي فوقها.

وبعد احتلال سوريا من قبل فرنسا قام الدروز بإشعال فتيل الثورة السورية الكبرى في جبل الدروز بقيادة سلطان باشا الأطرش في عام 1925م وخاضوا معارك عديدة كبدت الجيش الفرنسي خسائر كبير كمعركة الكفر وتل الحديد والمزرعة ونقلوا الثورة إلى دمشق وغوطتها وإلى لبنان وجبل الشيخ ورفضوا تشكيل دولة درزية وكان لهم الدور الأكبر والأساسي في الاستقلال عن فرنسا حيث ثاروا على الجيش الفرنسي بعد دخول الجيش الفرنسي والبريطاني وقضائه على حكومة فيشي.

وبعد الاستقلال اندمج الدروز في كل بلد مع مواطنيهم واشتركوا معهم في الأحداث السياسية وفي سوريا حاول أديب الشيشكلي وهو رئيس الجمهورية لعام 1954م إثارة فتنة حيث حاول استخدام الجيش الوطني للفتك بالدروز وحصل ذلك في عدة قرى إلا أن سلطان الأطرش والزعماء السوريين الاخرين إستطاعواإقصاء الشيشكلي ونفيه إلى البرازيل حيث إغتاله أحد الدروز الموتورين منه وهو نواف غزالة وهي حادثة الاغتيال الوحيدة في تاريخ الدروز حتى الان.

كما ساهموا في جميع الحروب ضد الكيان الصهيوني وسقط منهم كثير من الشهداء، يحافظ الدروز على طابعهم المميز حتى الان.

ولهم عاداتهم وتقاليدهم المجتمعية الخاصة ويتميزون بمحافظتهم على النطق بكامل أحرف اللغة العربية بشكلها الصحيح (القاف مثلا)وهم في سوريا التجمع الأكبر للدروز في العالم (حوالي 700،000 نسمة) ومن المدن التي يتواجدون فيها السويداء وصلخد وشهبا والقريا في جبل الدروز (العرب) وجرمانا قرب دمشق ومجدل شمس وغيرها في الجولان السوري.

قام الدروز السوريين في الجولان المحتل بإحراق الهويات الإسرائيلية ورفع شعار لا بديل عن الهوية السورية، وقاموا بانتفاضات واستمروا تحت الحصار لمدة ستة أشهر وقد اعتقلت الحكومة الإسرائيلية كثيرا من الشبان الذين يقاومون الاحتلال ومنهم من ظل بالسجون الإسرائيلية أكثر من عشرين سنة. وما زالوا حتى الان يصنعون الخبز بأيديهم ويخزنون القمح تحسبا لأي حصار ويرفضون الهوية الإسرائيلية.

في لبنان

كان لهم الفضل الكبير في الاستقلال عام 1943م مع الراحل الأمير مجيد أرسلان. شاركوا بعدة ثورات ضد الحكم بقيادة كمال جنبلاط مؤسس وقائد الحزب التقدمي الاشتراكي. شاركوا في الحرب الأهلية اللبنانية بين الأعوام 1975م إلى 1990م بوصفهم أحد أقوى الميليشيات في الحرب اللبنانية، تحت لواء الجيش الشعبي بقيادة وليد جنبلاط. وهم اليوم لديهم زعامتين سياسيتين بقيادة الأمير طلال أرسلان رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني ووليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي كان لهم عدة مراكز قيادية في المجالس التمثلية والحكومات.

بعد استلاء المماليك على فلسطين وطرد الصليبيين، قاموا بالتضييق على المسلمين من غير أهل السنة لتثبيت سلطتهم، وبما أن فلسطين كانت باب الدولة الفاطمية نحو الشرق كان عدد الدروز فيها لا يستهان به، وبالرغم من أنهم وقفوا إلى جانب المماليك ضد الصليبيين والمغول فإن ذلك لم يشفع لهم وخاصة في عصر الظاهر بيبرس تعرضوا للإضطهاد ونزح قسم كبير منهم إلى جبل الشيخ وجبال لبنان، وفي فترة الحكم العثماني تعرضوا لإضطهاد كبير بسبب إنضمامهم إلى دولة لبنان الكبير التي حاول تأسيسها الأمير فخر الدين المعني، هذا الإضطهاد استمر وتحول إلى اضطهاد مذهبي إلى أن قامت دولة إسرائيل، وبالرغم من أن قسم من دروز فلسطين رفضوا قيام دولة إسرائيل والتحقوا بجيش الإنقاذ واستشهد بعضهم، ولكن قسم اخر وجد في سيطرة اليهود منقذ له من الإضطهاد المبرح الذي عانوه على مدى قرون وقرر الانخراط في الدولة الجديدة، وتذكر بعض المصادر أن بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948م قامت مجموعة من رجالات الطائفة من الدروز بإبرام إتفاقية بينهم [13] وبين الكيان الإسرائيلي، حيث أنه بموجب هذه الإتفاقية فإن الدروز لهم ما لليهودي وعليهم ما على اليهودي ولذلك فان الخدمة في الجيش الإسرائيلي اليوم للدروز هي إجبارية ومقابل هذه الخدمة يحصلون على الامتيازات التي يحصل عليها الجندي اليهودي.

العقيدة

يعتقد الموحدون الدروز إن الله واحد أحد لا إله إلا هو ولا معبود سواه وإنه المعل الذي لم يعله أحد وهو وفق الميثاق الواحد الأحد الفرد الصمد المنزه عن الأزواج والعدد وهو الحاكم الفعلي والأزلي للكون وممثوله في القران (على العرش استوى )أي نصب نفسه بمقام الحاكمية على العوالم فهو الحاكم الأحد المنزه عن عباده ومخلوقاته تعالى عن وصف الواصفين وإدراك العالمين وهو في مواضع كثيرة من رسائل الحكمة :حاكم الحكام المنزه عن الخواطر والأوهام جل وعلا فلا مجال لتشبيه لاهوته أو حلوله في أحد من البشر وإن الله خلق علة أولى منه وفيه وإليه واستودع فيها كل ما كان وما سيكون وهي العقل الكلي وهو جوهر روحاني مجبول على طبائع الخير وخلق له ضد روحاني مجبول على طبائع الشر فهما أصلا العالم وأن الله خلق النفوس وقدر لها انتقالها من جسد لجسد لتبلغ العدل والرحمة منه وإنه أوجد فيها قدرة على الارتقاء فتشاهد عظمة الباري فتسعد وإنه تقرب من عباده البشر فأظهر في نفوسهم نوره الشعشعاني وركب فيها طبائع العقل وأراها طبائع الضد فمن واضب على صيانة طبائع العقل فيه يرى صورة نفسه الحقيقية كما فطرها الله من ذاته وفي ذاته ولذاته فتحدث المشاهدة السعيدة والاندماج أو التوحد مع ذات الباري وهي معنى ظهر لهم كهم أي يرونه كما يرون الخيال في المراة كصورة نفوسهم فالخيال هو وهم المشاهد وليست حقيقة المشاهد وإن من يصل لهذه المرحلة من الصفاء يسمى ناسوت أي أنس صورة الباري (المجازية )في نفسه وناسوت مولانا الحاكم أي أناسه ممن أنسوا صورته.. والخليفة الفاطمي المنصور واحد من عشرة أشخاص استطاعو أنس الصورة وسمى نفسه الحاكم بأمره أي بأمر اللاهوت والحاكم بأمر الله والله من أسماء اللاهوت والخليفة في النهاية عبده وخادمه وهو غير مقدس عند الموحدين إلا كما يتم إجلال الشيوخ وغيرهم من الأولياء وقد طرد نشتكين الدرزي من الدعوة لأنه دعا لتأليه الأشخاص.

والغاية من علوم التوحيد هو رفع البشر إلى منازل عالية وهي تبدأ من مرحلة الموحد وهي اتباع حلال الحلال أي أفضله ومبادئ التوحيد الفضائل العفية والعدل والطهارة ثم منزلة حرف الصدق ثم منزلة الحدود ثم منزلة المؤانسة أو الناسوت وهي سعادة السعادات وغاية الغايات من خلق النفوس وهي جوهر التوحيد.ويعتقد الموحدون أن الباري دعى لتوحيده في الأرض بواسطة العقل والحدود هم خمسة من البشر الذين غلبت فيه طبائع العقل الكلي وأيدالعقل بالناسوت الذي يكون ممد بالحكمة والعلم والتقوى والسلطان والكرامات ويتم ذلك في أدوار زمنية معلومة ويكون العقل هو صاحب الدعوة يقيمها وينهيها من خلال دعاة يعينهم و لا يحق للموحدين الدعوة له أو لدينه أو كشف حقائق التوحيد بعد غيابه إنما عليهم في غيابه صيانة أنفسهم من المعاصي وعمل الخير بين البشر.

الحدود

عرف دعاة الموحدين الرئيسيين بالحدود، وأن العقل الذي تشخص في مختلف أدوار الكشف بأشخاص عديدين مختلفي الصور والأسماء، ظهر في دور الحاكم باسم حمزة بن علي بن أحمد المعروف بالزوزني، ويتميز من سائر الحدود، إذ لايجوز إلا له كتابة «الحكمة» أو بإذن منه لغيره، وهو - أي حمزة - الحد الأول من حدود التوحيد. أما الحد الثاني فهو إسماعيل التميمي؛ وهو بمنزلة النفس الكلية التي تشخصت فيه في دور الحاكم، وجعل له حمزة الأمر والنهي على سائر الحدود، ويعد الدرجة الثانية بعد حمزة. أما محمد بن وهب القرشي فهو ثالث الحدود الروحانية التوحيدية، إنه الكلمة وعماد المستجيبين وفخر الموحدين ومهمته حث الموحدين على الخدمة وجمع شملهم، أما أبو الخير سلامة السامري الملقب بالسابق والمعروف بالحد الرابع؛ فلعل عدم معرفته بكثرة كما تشير المراجع إنما ترجع للمهمة السرية الموكلة إليه. أما بهاء الدين المقتنى فهو «التالي» المعروف على أنه لسان المؤمنين وسند الموحدين، وكان كاتبا بليغا، جعله حمزة في اخر مراتب الحدود بسبب معرفته المتأخرة به

التجلي

لم تجسد الدعوة التوحيدية في تعاليمها ولم تبشر بألوهية الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله كما هو شائع بل قالت بتجلي القدرة الإلهية في صورة ناسوتية ظهرت لأهل العرفان من الموحدين في أدوار التبشير بالدعوة، كان اخرها دور كشف توحيدي، تجلت فيه قدرته تعالى في صورة إمامة فاطمية، هي صورة الحاكم بأمر الله. وتتجلى هذه القدرة في مؤهلات روحانية قدسية اختص بها صاحب هذه الصورة.

وعليه فالتجلي في الدعوة التوحيدية ليس من التجسيد في شيء، وإنما هو ظهور القدرة الإلهية في صورة المصطفى لها من البرية، وقدرته تعالى هي فعله، وفعله غير ذاته. والحاكم بأمر الله هو وارث تلك القدرة ذات المنشأ اللاهوتي وصاحب ذلك الإلهام الذي اختص في ذلك الدور التوحيدي. وقد وردت فكرة التجلي في خطبة نسبت إلى الإمام علي بن أبي طالب على الصورة الاتية: «الحمد الله المتجلي لخلقه بخلقه، والظاهر لقلوبهم بحجته».

التقمص

تعود عقيدة التقمص إلى تطور الحضارة الإنسانية عند قدماء المصريين وتعاليم الهنود واليونانيين وفيثاغورس[ر] وبوذا وغيرهم ممن كان همه كشف أسرار الروح ومصيرها الخفي، وقد أشار إلى ذلك نيتشه[ر] بنظريته «التكرار الخالد» التي ترى أن كل ما يحدث الان حدث مرارا من قبل وسيتكرر حدوثه بالمستقبل.

يعتقد الموحدون بالتقمص وهو أبرز عقائدهم؛ ويعني عندهم أن الجسم الإنساني قميص للروح التي هي النفس المتحدة بالعقل، ولما كان قابلا للفناء، فإن جوهر الحياة يبقى متمثلا بالنفس المنتقلة من القميص الذي يدهمه الموت إلى قميص اخر هو جسم المولود في لحظة ولادته. وهكذا تتقمص الأنفس، إناثا إناثا وذكورا ذكورا، وتبقى هي لا تنقص ولا تزيد ولا تتبدل، وإنما الذي يتبدل جيلا بعد جيل هو صورة الأقمصة التي هي الأجسام.

وفوق ذلك تنطوي عقيدتهم في التقمص على عنصر إنساني هو إيمانهم بأن الإنسان في نقلته يولد في بيت الصديق أو العدو، الغريب أو القريب على السواء، وأن الجنس البشري مختلط بالتقمص، يتكرر اختلاطه وامتزاج عناصره وشعوبه وطوائفه في كل جيل من دون تفريق أو تمييز. وهذه النظرية قريبة في شمولها إلى نظرية «وحدة الوجود» ومفادها أن الحياة والفكر، والقوة والمادة جميعا انبعثت من أصل واحد شامل، لاتدركه العقول ولايحيط به الوصف، وأن كل خير أو شر، وصواب أو خطأ، كل ذلك لايرد إلى صاحبه وحده، ولايعود عليه بمفرده، بل ينال من الجنس البشري برمته، وإن ظهور الإنسان المتكرر بأشخاصه المختلفة وأدواره المتواصلة يسفر عن تجمع اختباراته الروحية بحسب كتب الموحدين.

الحلول والنطق

أما اعتقادهم بالحلول والنطق، وهو نوع من التقمص، ويختلف عنه أنه في جوهر الحياة المتمثل بالنفس والمنتقلة من جسم إلى اخر تنتقل معها أحيانا جميع صفاتها أو بعضها الظاهر، ومن ذلك نشأ الاعتقاد، أن نفوس الأنبياء والمرسلين تنتقل من دور إلى اخر مستكملة أروع صفاتها، وعليه فإن رسول الأمس قد يكون هو نفسه رسول اليوم، وبناء على ذلك فإن الموحدين يكرمون مختلف الرسل، ولايصح عندهم أن يكرم أحدهم في دور ولايكرم في دور اخر. وقيل: إن أبا العلاء المعري كان من المؤمنين بهذا الاعتقاد في قوله: ناديت حتى بدا في المنطق الضحل تخالف الناس والأغراض والملل رجوا إماما بحق أن يقوم لهم هيهات، لا بل حلول ثم مرتحل التناسخ

ترتبط فكرة التناسخ عند الموحدين بنظرية الدور في العقيدة الفاطمية التي تقول بظهور الأنبياء والأئمة في صور متعددة، ولكن أصلهم واحد؛ فادم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدr، ظهروا في هذه الحقيقة، والجميع مثل للعقل الكلي، وأخذت فكرة التناسخ صورة جديدة هي «نظرية الأدوار». وقد تكون فكرة التناسخ مبنية على ما قالته الأورفية[ر] في الولادات المتعاقبة؛ أي إن النفوس لها حياة سابقة قبل حلولها في الأبدان، وما حياتها في كل تجسيد سوى مرحلة من مراحل وجودها على هذه الأرض، وعليه فلابد أن تكون على علم بماضيها، لكنها تنسى عند حلولها في الأجساد، وتستطيع بشيء من الانتباه أن تتذكر ما كانت قد علمته.

فالتناسخ كما يعتقد الموحدون انتقال النفس الصالحة من جسم بشري بعد موته إلى اخر، وليس إلى أي كائن كان, فهذا عند الموحدين أمر باطل مخالف لأسفار الحكمة، فلاتنتقل إلى حيوان، لأن في انتقالها إلى جسم حيوان ظلم لها، وقد تكون خاطئة في دور اخر، وحسابها على ما فعلت من خير أو شر يبقى معلقا إلى أن ينصب الميزان، فإذا رجحت حسناتها كان لها الثواب، وإذا رجحت سيئاتها كان لها العقاب.

يوم الدينونة

يعتقد الموحدون بيوم الدينونة (الدين) في سياق بحث التقمص والتناسخ ويعتقدون أن حساب النفس، وهو ما فعلته من خير أو شر، مرجأ إلى يوم ينصب فيه ميزان الحق، وعندها ينال الصالح ثوابه ويقع على الطالح العقاب. وفي اليوم الأخير عند الموحدين يحاسب كل إنسان وينال جزاءه عن معرفة يقينية بأعماله بما صنع منذ بدء الخليقة، وحياته ماثلة عبر أجياله الماضية أمام عينيه، وهي في ذاكرته كأنها يوم واحد، لا يغيب عنه من تلك الأعمال شيء.

المقدر والمشيئة

ومن معتقدات الموحدين: الاعتقاد بالمقدر والمشيئة؛ فالأجل مكتوب؛ والمقدر كائن لايمحى؛ ولا مهرب منه؛ ولا مناص؛ ومن كتب له العيش عشر سنوات لن يموت في التاسعة، ويرضى الموحد بأحكام الله ويسلم أمره لربه.

الجنة والنار

أما الجنة عند الموحدين فهي روحانية خالصة، تقوم السعادة فيها على التوحيد، أثمارها العلوم الإلهية الحقيقية التي بها يتخلص الموحدون من جهلهم من دار الشرك، فالجنة إذن: أي الثواب الذي هو أفضل العطاء وأشرف الجزاء؛ هو إدراك المعلومات الإلهية واقتناء الفضائل البرهانية، إنها السعادة القصوى وكمال الإنسان. والكمال هو العقل الذي أشار إليه الحكماء المتقدمون، أما النار فهي، بحسب الموحدين، الشريعة وتكاليفها الإبليسية، والشرعية كما هو معروف عنها هي الكفر والشرك والتلحيد، فتكون النار، وبالتالي هي الشرك والجهل والشر. فالجنة إذن هي الإيمان بالتوحيد، والنار هي رفض التوحيد.

إضافة إلى تلك المعتقدات هناك تعليمات ووصايا هي بمنزلة دعائم الإيمان، ومنها صدق اللسان ويعدونه الأساس في قيمة الإنسان وشخصيته وسلوكه، وحفظ الإخوان ويقصد بها أن يحافظ المؤمن على أخيه المؤمن بالحق، وليس عليه أن يشد أزره بالباطل، وألا يكون متعصبا، إذ عليه أن يحترم الأديان ويقدس جميع الأنبياء والرسل. والتبرؤ من عبادة العدم والبهتان، والنهي عن عبادة الأوثان أو السجود للأصنام والحجارة المقدسة والنصب والتماثيل.

وعلى الموحد أن يرضى بأحكام الله، فالرضا وتسليم أمره إلى ربه وصية يأخذ بها حتى لا يداخل ضميره الشك بعدالة الله.

وتتناول معتقداتهم ووصاياهم أيضا أمور الحياة الاجتماعية، وأحوال الناس، وتفرض على الموحدين عدم التمتع بملذات الدنيا الحسية، والنهي عن السرقة والقتل والزنا وشهادة الزور وغيرها. وتوجب صون المرأة واحترامها، وتقيد الطلاق، وتمنع المرأة المطلقة من العودة إلى زوجها حتى لو تزوجت غيره. ولايجوز للرجل أن يتزوج امرأة ثانية غير زوجته إلا بعد طلاقه منها، وإذا خالف الموحد هذه المعتقدات والوصايا فإنه ارتكب بذلك الكبائر عندهم، ولايسمح له بالصلاة مع الجماعة الأتقياء حتى يتوب توبة صحيحة فيقبل في جزء منها.

وتلتقي هذه المعتقدات والوصايا وغيرها مع معتقدات الأديان الأخرى، ولاسيما في جوهرها الذي يعد واحدا في سائر الأديان والمذاهب.

رسائل الحكمة

تعد رسائل الحكمة الكتب المقدسة عند الموحدين، تتألف من 111 رسالة، وتقع هذه الرسائل في ستة أجزاء، ويؤكد عدد الرسائل معجم «كتاب الدرر المضية واللمع النورانية في تلخيص ألفاظ الحكمة الشريفة ومعانيها الروحانية». واختلف بعضهم في العدد، فمنهم من يقول بأربعة مثل محمد كامل حسين، ومنهم من قال بسبعة على حد قول المستشرق P.de la criox المتوفى سنة 1699؛ معللا ذلك بما للعدد سبعة من أهمية عند الموحدين، والأديان الباطنية عامة.

صنفت رسائل الحكمة في الفترة من 408ه 434ه أي بدءا من الدعوة حتى إقفالها، والذين ألفوا الرسائل ثلاثة هم: حمزة بن علي بن أحمد وهو المؤسس والملقب بالعقل؛ وبقائم الزمان وهادي المستجيبين، والثاني هو إسماعيل بن محمد بن حامد التميمي الملقب بالنفس؛ وبصفوة المستجيبين، والثالث هو بهاء الدين أبو الحسن علي ابن أحمد السموقي الملقب ب «التالي» وهو اخر الحدود الذي أغلقت به الدعوة. وقد وضع بهاء الدين بعض الرسائل وفسر معظم النظريات التي وضعها حمزة، وهناك رسائل لاتحمل اسم صاحبها.

تشمل الرسائل في مضامينها نصائح في العقيدة، وردودا على الخصوم والمرتدين، ومواثيق وعهودا، أو تعريفا بالدعوة، أو بسيرة الحاكم بأمر الله وتكليف الدعاة نشر المذهب، إضافة إلى رسائل إلى أهل المدن والقرى في سورية ولبنان والعراقين والهند واليمن والعرب وغير ذلك.

يمتاز أسلوب الرسائل بالبلاغة، وهي حافلة بالصور والتشابيه والرموز والألغاز، وبعضها عسير على الفهم لغرابة ألفاظه، وتوخيها المعاني الباطنية، وإعطاء الكلمات مدلولات مجازية بعيدة عن مدلولاتها الحقيقية، فأرادوا التستر والتكتم والتمويه ابتغاء السرية.

الوصايا السبعة

بعد الإقرار بوحدانية الله تعالى، على الموحد أن يلتزم بالوصايا التوحيدية السبعة، وهي:

صدق اللسان.

حفظ الإخوان .

ترك عبادة العدم والبهتان.

البراءة من الأبالسة والطغيان.

التوحيد لمولانا في كل عصر وزمان.

الرضى بفعل مولانا كيف ما كان.

التسليم لأمر مولانا في السر والحدثان.

إن الميثاق الذي يرتبط بموجبه المستجيب بعقيدة التوحيد ينص على أن يكون المستجيب صحيح العقل والبدن وأن لا يكون في رق أحد بل يملك الاختيار لنفسه. لهذا فرض على الموحدين إلغاء الرق وتعدد الزوجات.

الإقرار بتوحيد الله ووجوده الذي لا وجود سواه هو واجب على كل الموحدين. والتوحيد الحق هو تنزيه الله من حيث هو واحد أحد لا نهاية له ولا حد. فهو الوجود الحقيقي، والموجود الأوحد، والواجد لكل شيء.

إن الله في أحاديته هو الخير المحض وأن كل ما يصدر عنه إنما هو بإرادته وهو حق. التسليم هو ثمرة الرضى، وبالتسليم لأمر الله يدرك الإنسان أنه في ملكوت الله. وبذلك يبلغ هذا الإنسان السعادة الحق.

الوصايا التوحيدية السبعة هي المعنى الحقيقي للدعائم الإسلامية السبعة: (صدق اللسان = الصلاة) (حفظ الإخوان = الزكاة) (ترك عبادة العدم والبهتان = الصوم) (البراءة من الأبالسة والطغيان = الحج) (التوحيد لمولانا في كل عصر وزمان = الشهادة، لا اله إلا الله) (الرضى بفعل مولانا كيف ما كان = الجهاد) (التسليم لأمر مولانا في السر والحدثان = الولاية).

الرمز الديني

ينقسم المجتمع عند الموحدين إلى طبقتين هما: العقال، والجهال. أما العقال فهم الذين لديهم معرفة واسعة بعلوم الدين؛ إضافة إلى متابعتهم الصلاة بالمكان الخاص لمزاولة العبادة. أما الجهال وهم الفئة الثانية، فهم يزاولون أنماطا من السلوك غير مقبولة عند مجتمع الموحدين مثل: التدخين، وشرب المسكرات، ولايسمح لهذه الفئة بالصلاة مع الأتقياء.

تطلق صفة «الأجاويد» على الذين لديهم معرفة بشؤون الدين وعلومه؛ والذين يثابرون على الصلاة والعبادة من دون انقطاع. ولايصح للفرد من الموحدين أن يصبح من الأجاويد إلا إذا ابتعد عن مزاولة الأفعال المستنكرة عند مجتمع الموحدين، مثل: الابتعاد عن المسكرات والتدخين، وتجنب كل ما من شأنه الإيحاء بالرفاه أو البهرجة أو مظاهر الخلاعة عند النساء، بل المطلوب الاعتدال في كل ما خص حياة الموحد، والاحتشام في الجلوس والتمسك بمظاهر الاداب العامة والتعامل مع الناس والبعد عن النميمة والكبرياء وغير ذلك من الصفات المنبوذة في المجتمع.

وفي جملة القول فإن للأتقياء من الموحدين صفات أخرى، مثل اعتمادهم على عملهم بأرضهم لكسب قوتهم، فلا يلبون الدعوات إلى الولائم والأعياد، ويكون الموحد والحالة هذه أقرب ما يكون إلى ناسك متقشف، يعيش في حالة من الرياضة الروحية الدائمة، يكون بوساطتها أقرب إلى الاتصال مع الله عن طريق الروح.

يعتمر الشيخ التقي عمامة بمثابة شعار للموحد، وليس هناك نظام يمنع العمامة عن الشيوخ.

يلجأ الموحد التقي لترويض نفسه إلى الصوم، والصيام عندهم لايقتصر على شهر أو يوم.

ويعد الورع والتقوى معيارا للمركز السامي الذي يتبوؤه الموحد بين الأجاويد، أما المركز الذي يأخذ صفة الزعامة الدينية فهو المركز الذي يدعى «مركز شيخ العقل» ويترأس محكمة مذهبية.

الزواج والطلاق

يوجب على الموحدين أن يتزوجوا من بعضهم البعض. والزواج في شريعة التوحيد يجب أن يكون مبني على المحبة، الائتلاف، الإنصاف، العدل والمساواة. لذلك منع تعدد الزوجات لأن ذلك يقضي على الإنصاف والعدل والمساواة. وشروط الزواج هي أن يتعرف الزوجين على حقيقة بعضهم البعض، سواء من حيث الحالة الصحية أو الروحية أو العقلية. وإذا حصل الزواج وجب أن يعامل الزوجين كلاهما الاخر بالمساواة والعدل. واجب الزوج أن يساوي زوجته بنفسه وينصفها مما يملك. وعلى الزوجة أن تسير على الطريقة التي درج عليها الزوج وبمقتضى خطته بالحياة، وأن تبني بيتها على المبادئ التي يمشي عليها في الحياة، شرط أن تكون إرادة الزوج مبنية على الإنصاف والعدل غير مناقضة لحقوق الزوجة وحريتها كإنسان. ولكلا الزوجين الحق في طلب الطلاق، وبعد الطلاق لا يحق لهم الزواج من بعضهم البعض. إذا طلب أحد الزوجين الطلاق من دون أسباب موجبة يحق للاخر أن تحصل أو يحصل على نصف ما يملكه أو تملكه طالب أو طالبة الطلاق.

تأثر الموحدين بالمذاهب الدينية والفلسفية القديمة شيخ درزي يرتدي الزي الديني.

على الرغم من انتشار دعوة الموحدين في ظل خلافة الحاكم بأمر الله الفاطمي فإن امتدادها - كما يرى الموحدون - يرجع إلى مسافة زمنية بعيدة حافلة بأنماط من الثقافات المتنوعة والأفكار الفلسفية المختلفة، ولاسيما تأثرها بالباطنية والصوفية الشيعية.

تأثر الموحدون في دعوتهم ببعض المذاهب القديمة مثل مذهب هرمس والهرامسة في مصر الفرعونية، والمذهب الهندي والمذهب الفارسي اللذين بدأ تأثيرهما في الدعوة الإسماعيلية ومن ثم في دعوة الموحدين، وتأثروا كذلك بالتعاليم البوذية - التي جاء بها بوذا[ر] (563 483ق.م) - المتجانسة مع دعوة الموحدين في بعض الجوانب مثل: الدين الحق هو طهارة القلوب، وتأثروا كذلك بتعاليم الزردشتية[ر] ولايخفى ما للمعلم كونفوشيوس[ر] الصيني وأفكاره من مكانة في قلوب أهل التوحيد.

وهكذا يبدو أن الموحدين وقد تعمقوا بالمذاهب الفكرية والدينية التي تغلغلت في العالم الإسلامي، ولاسيما المذاهب القديمة والمسالك الدينية الأخرى التي ظهرت في الهند وفارس ومصر واليونان، من ذلك كله بدت دعوتهم حلقة جديدة إضافية في تلك الاشراقات الروحية، فاستخلصوا التعاليم الدينية من الشرائع المنزلة.

تعد العقيدة الشيعية الفاطمية أساسا ومرتكزا لعقيدة الموحدين، وتقوم عقيدة الفاطميين الشيعية على الظاهر أي العمل، والباطن أي العلم. والظاهر يعني القيام بأداء جميع فرائض الدين الإسلامي التي وردت في القران الكريم وفي أحاديث الرسولr، وهذا ظاهر العبادة العملية، وأوجدوا إلى جانب ذلك العبادة الباطنية التي تقوم على أساس مفاده أن لكل عمل وكل قول تأويلا خاصا لايعرفه إلا الأئمة والعلماء، وهذا ماحدث في عقيدة الموحدين من حيث الاهتمام بالتأويل إضافة إلى فكرة تأليه الأئمة. ومما ذهبوا إليه أن رفعوا شأن العقل على أنه أرفع مبدعات الله وأقربها إليه وهو عندهم الخالق الحقيقي، وأولوا أسماء الله الحسنى الواردة في القران الكريم على أنها أسماء للعقل الكلي.

وبحسب نظرية «المثل والممثول» فإن الإمام ممثل للعقل الكلي، وإن جميع مناقب وصفات العقل الكلي تطلق أيضا على الإمام.

الهوامش المصادر الحواشي

^ أ ب "The Economist". 390 (8618–24). 2014: 49. Retrieved 14 April 2011.

^ Lebanon – International Religious Freedom Report 2008 U.S. Department of State. Retrieved on 2013-06-13.

^ "Palestinians say they number 12.1 million worldwid". TimesofIsrael. 2015.

^ International Religious Freedom Report, US State Department, 2005,

^ "Tariq Alaiseme [reportedly to be] vice-president of Venezuela". Aamama. 2013.: Referring governor Tareck El Aissami. ^ Druze Traditions, Institute of Druze Studies, Archived from the original on 14 January 2009,

^ opulation of Australia by Place of Usual Residence (2006)". Australian Bureau of Statistics. Retrieved 27 July 2010.

^ "Druze". Random House Webster's Unabridged Dictionary.

^ Chatty, Dawn. Displacement and Dispossession in the Modern Middle East. Cambridge University Press. ISBN 0-521-81792-7.

^ غالب أبو مصلح, الدروز في ظل الاحتلال الإسرائيلي ص 49

^ فياض سكيكر. "الموحدون (الدروز)". الموسوعة العربية.

 


طباعة   البريد الإلكتروني