أخطاء ابن كاطع في مقامات الأنبياء وأهل البيت عليهم السلام والفقه

(وقت القراءة: 9 - 17 دقائق)

إنا لو نظرنا إلى كتب أحمد إسماعيل كاطع المنسوبة إليه وبياناته وتسجيلاته فإننا نجد فيها كثيرا من الأخطاء الفاضحة التي لا يقع فيها صغار طلبة العلم فضلا عن إمام معصوم كما يدعيها لنفسه، وحيث إن المقام طويل فإني سأقتصر على ذكر بعض الأمثلة، وهي عدة أنواع: أخطاء أحمد إسماعيل في مقامات الأنبياء عليهم السلام: فإن كتب أحمد إسماعيل اشتملت على طعون متعددة في مقامات بعض الأنبياء عليهم السلام. منها: أنه زعم في كتابه (المتشابهات) أن نبي الله إبراهيم عليه السلام كان يعتقد بأرباب غير الله تعالى، فقال: (فإبراهيم عليه السلام لما كشف له ملكوت السماوات، ورأى نور القائم عليه السلام قال: (هذا ربي)، فلما رأى نور علي عليه السلام قال: (هذا ربي)، فلما رأى نور محمد صلى الله عليه واله وسلم قال: (هذا ربي)، ولم يستطع إبراهيم عليه السلام تمييز أنهم عباد إلا بعد أن كشف له عن حقائقهم، وتبين أفولهم وغيبتهم عن الذات الإلهية، وعودتهم إلى الأنا في انات، وعندها فقط توجه إلى الذي فطر السماوات، وعلم أنهم عليهم السلام (صنائع الله، والخلق بعد صنائع لهم) كما ورد في الحديث عنهم عليهم السلام)(٢). ولا يخفى أن نبي الله إبراهيم عليه السلام أجل وأعرف بالله تعالى من أن يقع في هذه الوقعة العظيمة، فيعتقد أن له أربابا من دون الله تعالى ولو في بعض الانات؛ إذ كيف يرى نورا في السماء فيعتقد أنه ربه، ثم يرى نورا اخر، فينصرف عن اعتقاده الأول، ويعتقد أن هذا النور الثاني هو ربه، ثم يرى نورا ثالثا، فيعتقد أن هذا النور هو ربه!؟ مع أن كلام أحمد إسماعيل خلاف ظاهر الايات الشريفة، فإن الله تعالى قال: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي) (الأنعام: ٧٦)، (فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي) (الأنعام: ٧٧)، (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر) (الأنعام: ٧٨)، فإنه سبحانه وتعالى ذكر أن إبراهيم عليه السلام رأى كوكبا، ثم رأى القمر، ثم رأى الشمس، وأما أحمد إسماعيل فإنه ذكر أنه إنما رأى أنوارا، ولم ير كوكبا أو القمر والشمس. مع أن إبراهيم عليه السلام لم يخبر بأنه يعتقد أن هذه المخلوقات أربابا له، وإنما قال: هذا ربي؟ على نحو الإنكار والاستخبار، كأنه قال: أهذا ربي؟ منكرا أن يكون هذا ربه، ومستخبرا، أي سائلا لمن يسمعه، فكأنه سأله قائلا: هل تقول: إن هذا ربي؟ وقوله تعالى: (وتلك حجتنا اتيناها إبراهيم على قومه) (الأنعام: ٨٣) فيه دلالة واضحة على أن ما قاله إبراهيم عليه السلام إنما كان في مقام الاحتجاج على قومه، وأما على تفسير أحمد إسماعيل فالأمر ليس كذلك. وفي الروايات ما يدل على ما قلناه، فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، أليس من قولك: الأنبياء معصومون؟ قال: (بلى)... إلى أن قال: فقال المأمون: أشهد أنك ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حقا، فأخبرني عن قول الله عز وجل في حق إبراهيم عليه السلام: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي)، فقال الرضا عليه السلام: (إن إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، وذلك حين خرج من السرب(٣) الذي أخفي فيه (فلما جن عليه الليل)، فرأى الزهرة قال: (هذا ربي) على الإنكار والاستخبار، (فلما أفل) الكوكب (قال لا أحب الأفلين)؛ لأن الأفول من صفات المحدث لا من صفات القدم، (فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي) على الإنكار والاستخبار، (فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين)، يقول: لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين، (فلما) أصبح و(رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر) من الزهرة والقمر على الإنكار والاستخبار لا على الإخبار والإقرار، (فلما أفلت قال) للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس: (يا قوم إني بري‏ء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين)، وإنما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض، وكان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله تعالى واتاه كما قال الله عز وجل: (وتلك حجتنا اتيناها إبراهيم على قومه))، فقال المأمون: لله درك يا ابن رسول الله(٤). كما أن أحمد إسماعيل زعم أن نبي الله يوسف عليه السلام أشرك، فإنه قال: (وأوحى الله ليوسف: إن هذا السجين سينجو، وسيكون قريبا من الملك (برؤيا السجين)، وأوحى الله ليوسف عليه السلام: إن هذا الملك سيخرجه من السجن، وإن هذا السجين سيكون سبب خروجه من السجن، ولهذا قال له يوسف عليه السلام: (اذكرني عند ربك)، أراد بهذا أن يبين لهذا السجين علمه بالغيب، عندما سيضطر في المستقبل إلى ذكره عند الملك، كما أراد لفت انتباه السجين إلى حاله، وليذكره في المستقبل عند الملك، إذ رأى الرؤيا التي ستكون سببا في خروج يوسف عليه السلام من السجن. وهنا التفت يوسف عليه السلام إلى الأسباب، ومع أنه لم يغفل عن مسبب الأسباب كما توهم بعضهم أنه طلب معونة السجين والملك، وغفل عن الله سبحانه، ولكن مع هذا فإن يوسف عليه السلام أشرك عندما جعل للأسباب قيمة ووزنا في ميزانه، وهو عليه السلام الذي لمس ايات الله ومعجزاته التي نجا بها فيما مضى من حياته، وهذا الشرك الخفي ذكر في اخر سورة يوسف: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون))(٥). وزعم أحمد إسماعيل كذلك أن موسى كان عنده أيضا شرك الأنا. قال في كتابه (رحلة موسى إلى مجمع البحرين): (إذن، جاء موسى عليه السلام للقاء العبد الصالح؛ لأنه ظن أنه قد حارب نفسه، وقتل الأنا في داخله، فكان المطلوب منه أن يصبر ويحارب نفسه وهو يرافق العبد الصالح، ولا يقول للعبد الصالح: (لو فعلت هذا، ولو لم تفعل هذا)، فهو عندما يواجه من هو أعلى منه مقاما بهذه الأقوال يظهر بجلاء ووضوح الأنا التي في داخله مقابل من هو مأمور باتباعه والانصياح لأمره. والحقيقة أن الأمر يعود إلى مواجهة موسى عليه السلام مع الله سبحانه وتعالى، فهو في كل مرة يقول: (أنا) مقابل العبد الصالح يعني أنه قال: (أنا) مقابل الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الامتحان بالتوحيد الذي فشل فيه كثير من السائرين إلى الله، أي إنهم يستهينون ربما بقولهم: (أنا) مقابل خليفة الله أو مقابل أقواله عندما يقترحون بارائهم مقابل أمر خلفاء الله _ في حين أنها (أنا) مقابل الله سبحانه وتعالى في حقيقتها وواقعها _ وفي حين أنهم جاؤوا للامتحان بهذا، فهم يفشلون ودون حتى أن يلتفتوا إلى فشلهم)(٦). بل إنه نفى العصمة عن موسى عليه السلام في بعض مراتبها، فقال: (موسى عليه السلام نبي مرسل من الله معصوم منصوص العصمة، ومع هذا يأمره الله سبحانه أن يتبع العبد الصالح ولا يخالفه، وهو نفسه قد تعهد بعدم المخالفة (قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا)، ولكنه أخلف وعده، وخالف العبد الصالح، ولو كانت المخالفة واحدة وفي مرة واحدة لهانت، ولكنه خالف في كل الامتحانات والاختبارات، فهي كانت ثلاثة، وخالف في ثلاثتها، يعني موسى عليه السلام هنا قد خالف أمر الله، وإذا لم تشأ قول: (إنه خالف أمرا مباشرا)، فليكن أنه خالف تعهده، وهذا أكيد ينقض العصمة هنا وفي هذا الموقف)(٧). وفي جواب لأحمد إسماعيل يشير إشارة واضحة إلى أنه أفضل من نبي الله موسى من بعض الجهات، فقد ورد له سؤال نصه: (ما المواصفات التي أهلتك لهذه المهمة، أو لنقل: ماهية المواصفات التي ميزتك عن باقي أبناء الشيعة لكي يختارك مهديهم لسفارته؟). فأجاب أحمد إسماعيل بقوله: (عندما كلم الله موسى عليه السلام قال له: (إذا جئت للمناجاة فاصحب معك من تكون خيرا منه). فجعل موسى عليه السلام لا يعترض أحدا إلا وهو لا يجترئ أن يقول: (إني خير منه)، فنزل عن الناس، وشرع في أصناف الحيوانات، حتى مر بكلب أجرب، فقال: أصحب هذا. فجعل في عنقه حبلا، ثم مر به، فلما كان في بعض الطريق نظر موسى عليه السلام إلى الكلب، وقال له: لا أعلم بأي لسان تسبح الله، فكيف أكون خيرا منك؟ ثم إن موسى عليه السلام أطلق الكلب، وذهب إلى المناجاة، فقال الرب: يا موسى أين ما أمرتك به؟ فقال موسى عليه السلام: يا رب لم أجده. فقال الرب: يا ابن عمران، لولا أنك أطلقت الكلب لمحوت اسمك من ديوان النبوة). وعقب أحمد إسماعيل على ذلك بقوله: (وأنا العبد الحقير لا يخطر في بالي أني خير من كلب أجرب، بل أراني ذنبا عظيما يقف بين يدي رب رؤوف رحيم)(٨). وفي كلامه إشارة واضحة إلى أنه إنما صار مؤهلا للسفارة لأنه خير من موسى بن عمران عليه السلام من جهة إنكاره لذاته. أخطاء أحمد إسماعيل في مقامات أهل البيت عليهم السلام:

  • فإن أحمد إسماعيل ذكر أن أمير المؤمنين عليه السلام عقله مغلوب من جهة الأنا والظلمة، فقد وجه إليه سؤال نصه: (ما معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء الصباح: (عقلي مغلوب)؟). فأجاب بقوله: (من جهة الأنا والظلمة، فلو لم يكن فيه هذا الحال لكان محمد (كذا) صلى الله عليه واله وسلم، وكان في مرتبة (إنا فتحنا لك فتحا مبينا)، وهي مرتبة محمد صلى الله عليه واله وسلم)(٩). كما أنه ذكر أن (الإنسان) في قوله تعالى: (إن الإنسان لفي خسر) (العصر: ٢) هو أمير المؤمنين عليه السلام، فقد ورد له سؤال نصه: (ما معنى قوله تعالى: (إن الإنسان لفي خسر)؟). فأجاب بقوله: (أمير المؤمنين علي عليه السلام، فهو الإنسان، وهو في خسر نسبة إلى محمد صلى الله عليه واله وسلم، فمقام الرسول صلى الله عليه واله وسلم أعلى وأعظم من مقام الإمام علي عليه السلام، فالرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم هو مدينة الكمالات الإلهية في الخلق أو مدينة العلم، وعلي عليه السلام هو الباب...)(١٠). وهذا كلام باطل جزما؛ لأن الله تعالى يقول: (إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) (العصر: ٣)، فاستثنى الذين امنوا وعملوا الصالحات عن أن يكونوا في خسر، وفي هذا دلالة واضحة على أن المراد بالإنسان هو جنس الإنسان، لا واحد بعينه؛ لأنه لو كان واحدا بعينه كما يقول أحمد إسماعيل لما صح هذا الاستثناء منه. ثم ما هو السبب الذي جعل أمير المؤمنين عليه السلام بخصوصه في خسر نسبة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم؟ والحال أنه إذا كان أمير المؤمنين عليه السلام في خسر فإن باقي الناس كذلك من باب أولى. وكان اللازم على أحمد إسماعيل أن يبين للقراء ماذا خسر أمير المؤمنين عليه السلام؟ وكل حياته طاعة لله تعالى وجهاد وتضحيات في سبيله، وهو الذي قال عندما ضربه عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله: (فزت ورب الكعبة).
  • ومما ذكره أحمد إسماعيل أيضا أن الإمام الحسين عليه السلام فيه شرك نفسي، وهو الأنا، فقد ورد إليه سؤال نصه: (ما معنى قول الحسين عليه السلام في دعاء عرفة: (إلهي أخرجني من ذل نفسي، وطهرني من شكي وشركي)؟). فأجاب بجواب طويل ذكر فيه أن الشرك ثلاثة أنواع، إلى أن قال: (٣ _ الشرك النفسي: وهو أخفى أنواع الشرك، وهو (الأنا) التي لا بد للمخلوق منها، وهي تشوبه بالظلمة والعدم، التي بدونها لا يبقى إلا الله سبحانه وتعالى، وبالتالي فكل عبد من عباد الله هو مشرك بهذا المعنى، والإمام الحسين عليه السلام أراد هذا المعنى من الشرك وما يصحبه من الشك، وكان الإمام الحسين عليه السلام يطلب الفتح المبين، وإزالة شائبة العدم والظلمة عن صفحة وجوده، التي بدونها لا يبقى إلا الله الواحد القهار سبحانه، وبالتالي فإن الحسين عليه السلام كأنه يقول: (إلهي لا أحد يستحق الوجود إلا أنت، ووجودي ذنب عظيم لا سبيل إلى غفرانه إلا بفنائي وببقائك أنت سبحانك). وهذا الشك والشرك بالقوة لا بالفعل، أي إن منشأه موجود، لا أنه موجود بالفعل، أي إن قابلية الفعل موجودة، لكنها غير متحققة بالفعل، أي لا توجد في الخارج...)(١١). والتهافت كثير في هذا الكلام، فإن الشرك والشك إذا كانا غير موجودين بالفعل فلماذا يدعو الإمام الحسين عليه السلام ربه لكي يطهره منهما؟ ولم يدعو عليه السلام أن يطهره الله سبحانه من الشك والشرك اللذين بدونهما لا يبقى إلا الله تعالى؟ وهل يصح أن يكون معنى كلام الإمام الحسين عليه السلام أنه لا أحد يستحق الوجود إلا الله، وأن وجوده ذنب عظيم لا سبيل إلى غفرانه إلا بفنائه؟! مع أنه عليه السلام لم يتسبب في وجوده، وكان وجوده بفعل الله تعالى، وهو نعمة ورحمة أسبغهما الله سبحانه وتعالى عليه! والغريب أن أحمد إسماعيل مع ذلك يزعم أنه تخلص من ظلمة الأنا، حيث قال: (وهكذا الإمام المهدي عليه السلام يستغني في زمن الظهور عن روح القدس الأعظم؛ لأنه فتح له في زمن الغيبة الصغرى، فينتقل روح القدس الأعظم إلى المهدي الأول، فكما يصدق: (أنفسنا وأنفسكم) على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلي عليه السلام، كذلك يصدق هنا على الإمام المهدي عليه السلام والمهدي الأول عليه السلام، من جهة الرداء الذي لبسه رسول الله وأمير المؤمنين، وهو روح القدس الأعظم، وإلا فلا تساوي بينهما إلا من هذه الجهة، فرسول الله صلى الله عليه واله وسلم أفضل من علي عليه السلام، وكذلك الإمام المهدي عليه السلام أفضل من المهدي الأول، وتساويهم من هذه الجهة جهة الرداء، وهو روح القدس الأعظم، الذي تردى به المهدي الأول؛ لأنه يحتاج إلى التسديد، ولم يحصل له الفتح ، بينما الإمام المهدي عليه السلام حصل له الفتح، فتسديده من الفتح؛ لأنه في انات لا يبقى إلا الله الواحد القهار. أما المهدي الأول فلم يحصل له الفتح، لهذا يسدد بروح القدس الأعظم، ويدعى له ب: (أن يعبدك لا يشرك بك شيئا)، أي حتى الأنا الموجودة بين جنبيه لا يراها، فلا يرى ولا يعرف إلا الله)(١٢). وفي هذا الكلام من الهراء ما لا يخفى، فإن الإمام المهدي عليه السلام والمهدي الأول إذا صدق عليهما: (أنفسنا وأنفسكم) كما زعم أحمد إسماعيل، فإن الإمام المهدي إذا حصل له الفتح فقد حصل الفتح للمهدي الأول أيضا؛ لأنه نفسه ووصيه، والإمام من بعده، ووزيره، والحاكم في دولته بزعم أحمد إسماعيل، ولا حاجة لأن يكون للمهدي الأول فتح خاص به. ثم إن كل إمام معصوم يحتاج إلى تسديد روح القدس دائما كما دلت عليه الأحاديث، والإمام المهدي عليه السلام كذلك حتى بعد حصول الفتح له في زمن الغيبة، ولا معنى لما زعمه أحمد إسماعيل من أن الإمام المهدي عليه السلام لما حصل له الفتح في غيبته فإن تسديده يكون من الفتح؛ إذ كيف يكون الفتح مسددا للإمام المهدي عليه السلام؟ وأي فتح هذا الذي حصل للإمام المهدي عليه السلام في زمن غيبته حتى أغناه عن أن يسدده روح القدس؟! بل إن الإمام المهدي عليه السلام بعد قيام دولته أكثر حاجة لتسديد روح القدس له؛ لكثرة الحوادث والوقائع وشدة الحاجة إلى الحكم فيها بحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه واله وسلم، وهذا يتطلب التسديد المؤكد كما دلت الروايات على أن الإمام المعصوم يسدده روح القدس إذا أراد أن يحكم بحكم ولم يكن عنده في تلك الواقعة شيء. فقد روى الشيخ الكليني قدس سره في (الكافي) بسند موثق عن عمار الساباطي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: بما تحكمون إذا حكمتم؟ قال: (بحكم الله وحكم داود، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا، تلقانا به روح القدس)(١٣). وروى الصفار في (بصائر الدرجات) بسنده عن علي بن عبد العزيز، عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، إن الناس يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وجه عليا عليه السلام إلى اليمن ليقضي بينهم، فقال علي: (فما وردت علي قضية إلا حكمت فيها بحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه واله وسلم). فقال: (صدقوا). قلت: وكيف ذاك ولم يكن أنزل القران كله، وقد كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم غائبا عنه؟ فقال: (تتلقاه به روح القدس)(١٤). ومن غرائب كلمات أحمد إسماعيل في كتابه: (إضاءات من دعوات المرسلين) أنه قال: (فأينما تتجهون فإن قبلتكم إلى الله هي وجه الله (ولي الله وحجته على خلقه)؛ لأن روحه لا تقيد بقيد الأجسام، فهي موجودة ومحيطة بكم من كل الجهات، شرقا وغربا شمالا وجنوبا، بل لو تفقهون هذه الكلمات لعرفتم الحقيقة، فال محمد صلى الله عليه واله وسلم هم الطعام الذي تأكلون، والماء الذي تشربون، والهواء الذي تتنفسون، قال عيسى عليه السلام: (أنا خبز الحياة)، وال محمد هم موسى وهامان، وهم إبراهيم ونمرود، وهم نار إبراهيم، وهم بردها وسلامها، فقلب ابن ادم بين إصبعين من أصابع الرحمن، وال محمد هم الرحمن في الخلق، وهم صنائع الله والخلق صنائع لهم، وخلقهم الله، ومنهم عليهم السلام خلق الخلق)(١٥). وهذا الكلام فيه من الغرائب ما لا يخفى؛ إذ كيف يكون ال محمد عليهم السلام موسى وهامان، وإبراهيم ونمرود، فتكون حقيقتهم عليهم السلام جامعة للمتضادات التي لا تجتمع بحال؟! وإذا أمكن أن نؤول كلامه بأن ال محمد صلى الله عليه واله وسلم هم موسى وإبراهيم عليهما السلام، أي إنهم كموسى وإبراهيم في أنهم حجج الله تعالى الذين تجب طاعتهم، ويجب التمسك بهم، فلا يمكن أن نؤول قوله: (إن ال محمد صلى الله عليه واله وسلم هم هامان ونمرود)، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أخطاء أحمد إسماعيل في الفقه: لا يخفى أن الفقه يعسر فيه بيان أي خطأ لفقيه أو مدع للفقاهة إلا ببيان دليل المسألة الذي ربما لا يفهمه أكثر الناس، ولو أنك أقمت الدليل على وقوع الخطأ فربما يزعم زاعم أن صاحب الفتوى لم يخطئ فيها؛ لأنه توصل إلى ما لم يتوصل إليه غيره، وكان عنده من الأدلة في هذه المسألة ما لم يكن عند غيره، خصوصا بالنسبة إلى هذا الرجل الذي يدعي أنه يتلقى الأحكام من الإمام المهدي المنتظر عليه السلام مباشرة. وعليه فمن الصعب جدا إقناع القارئ المحايد فضلا عن الموالي لأحمد إسماعيل البصري بأنه أخطأ في هذه المسألة الفقهية أو تلك. نعم، يمكن إثبات ذلك ببيان تناقض كلامه في موردين، وهذا كاف في بيان كذب دعواه أنه يتلقى الأحكام الفقهية وغيرها من الإمام المهدي عليه السلام. فإن أحمد إسماعيل قال في كتاب (شرائع الإسلام): (وأما ماء البئر فإنه ينجس بالملاقاة إذا كان ما فيه أقل من كر، وماؤه يأتيه بالرشح، أما إذا كان ماؤه يأتيه بالعين المتصلة بمادة الماء الجوفي أو كان ماؤه كرا فما فوق فلا ينجس إلا بتغير أحد أوصافه: اللون أو الطعم أو الرائحة، وطريقة تطهيره: ينزح منه ماء بحسب ما وقع فيه. ١ _ من موت العصفور إلى الدجاجة أو ما في حجمها فيه: بين (١٠ لتر (كذا) _ ١٠٠ لتر) بحسب حجم الحيوان وحاله، والعقرب والحية والوزغ ينزح لها بين (٣٠ لتر _ ٧٠ لتر) (كذا) بحسب حجم الحيوان وحاله)(١٦). وكلامه هذا دليل على أنه يرى أن ما مات من العقارب والحيات والوزغ كله نجس، وإذا وقع في البئر تنجس، ولزم تطهيره بنزح بعض الماء منه. ولكنه قال في تعداد النجاسات: (السادس والسابع: الكلب والخنزير، وهما نجسان عينا ولعابا، وما عداهما من الحيوان فليس بنجس، والثعلب والأرنب والفأرة والوزغة طاهرة)(١٧). وقال أيضا قبل ذلك: (الرابع: الميتة: ولا ينجس من الميتات إلا ما له نفس سائلة...)(١٨). والمراد بما له نفس سائلة: ما له عروق ينبعث منها الدم إذا قطعت كالإنسان والشاة والبعير ونحوها، وهذه ميتتها نجسة، وأما ما ليس له نفس سائلة كالوزغ والذباب والعقرب والحية فليس كذلك، وربما يرشح منها الدم رشحا كالسمك مثلا، وهذه ميتتها طاهرة. قال الشيخ الطوسي في الخلاف: (مسألة ١٤٥: ما لا نفس له سائلة، كالذباب، والخنفساء، والزنابير وغير ذلك، لا ينجس بالموت، ولا ينجس الماء، ولا المائع الذي يموت فيه...). إلى أن قال: (دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل طهارة الماء، والحكم بنجاسة هذه الأشياء يحتاج إلى دليل. وروى عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن الخنفساء، والذباب، والجراد، والنملة، وما أشبه ذلك يموت في البئر، والزيت والسمن وشبهه؟ قال: (كل ما ليس له دم فلا بأس به). وروى حفص بن غياث، عن جعفر بن محمد عليه السلام، قال: (لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة)(١٩). فإذا كانت الوزغة طاهرة عند أحمد إسماعيل فلماذا أوجب نزح (٣٠) لترا لموتها في البئر، مع أنه صرح بأن الغرض من النزح هو التطهير؟! ومما أعده خطأ _ وأمثاله كثير _ تحديده لأقل زمان نكاح المتعة بستة أشهر، حيث قال: (وأما الأجل فهو شرط في عقد الزواج المنقطع، ولو لم يذكره انعقد دائما، وتقدير الأجل إليهما، طال أو قصر، وأقله ستة أشهر)(٢٠). مع أنه لم يرد في شيء من روايات أهل البيت عليهم السلام تحديد أقل زمان نكاح المتعة بستة أشهر. قال صاحب الجواهر قدس سره: ((و) كيف كان ف (تقدير الأجل إليهما، طال أو قصر، كالسنة والشهر واليوم)؛ لإطلاق الأدلة الخالية عن تحديده قلة وكثرة، بل صريح غير واحد منها التعليق على ما شاءا من الأجل وتراضيا عليه، مؤيدا ذلك بإطلاق الفتاوى على وجه يمكن دعوى الإجماع عليه، وما عن ظاهر الوسيلة من تقدير الأقل بما بين طلوع الشمس والزوال محمول على المثال، وإلا كان محجوجا بما عرفت)(٢١).

 

تأليف: الشيخ علي آل محسن

الهوامش

 

(١) إقبال الأعمال ١: ٥٠٥. (٢) المتشابهات ١: ٢٧. (٣) السرب: الحفير تحت الأرض. (٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ١٧٥/ ح ١. (٥) إضاءات من دعوات المرسلين ٣: ٣٣. (٦) رحلة موسى إلى مجمع البحرين: ٤٨. (٧) رحلة موسى إلى مجمع البحرين: ٥١. (٨) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ١٦. (٩) المتشابهات ٤: ٢١٨. (١٠) المتشابهات ٣: ٧٣. (١١) المتشابهات ٢: ١٩. (١٢) عن موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري. (١٣) الكافي ١: ٣٩٨/ باب في الأئمة عليهم السلام وأنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود.../ ح ٣. (١٤) بصائر الدرجات: ٤٧٢ و٤٧٣/ باب ١٥/ ح ٨. (١٥) إضاءات من دعوات المرسلين ١ - ٣: ٥٤. (١٦) شرائع الإسلام لأحمد إسماعيل كاطع ١ - ٣: ١٠. (١٧) شرائع الإسلام لأحمد إسماعيل كاطع ١ - ٣: ٣٣. (١٨) المصدر السابق. (١٩) كتاب الخلاف ١: ١٨٨. (٢٠) شرائع الإسلام لأحمد إسماعيل كاطع ١ - ٣: ٢٠٠. (٢١) جواهر الكلام ٣٠: ١٧٥.


طباعة   البريد الإلكتروني