أضواء على ثورة الحسين عليه السلام

(وقت القراءة: 2 - 4 دقائق)

لا شك أن الإمام الحسين عليه‌السلام، قد حصل تاريخيا أنه بعد أن قتل أصحابه وأهل بيته بقى وحيدا فريدا بين الأعداء، لا يجد له ناصرا ولا معينا 1، فهل شعر بذلك من الناحية المعنوية؟ جوابه: النفي بطبيعة الحال ؛ لأنه يشعر أنه مع الله جل جلاله ومن كان مع الله كان الله معه، وقال تعالى: ﴿ ... إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ﴾ 2، وقال تعالى: ﴿ فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ﴾ 3، وما دام الحسين عليه‌السلام مع الله سبحانه، إذا لا يهمه أن يكون أحد من الخلق معه على الإطلاق. وقد يخطر في البال: إن هذا الذي قلناه ينافي ما ورد عنه عليه‌السلام أنه قال في ذلك الحال: «هل من ناصر ينصرنا؟ هل من معين يعيننا؟ هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله» 4، وهذا يدل على أنه طلب النصرة من الاخرين على أي حال، وهذا هو الفهم العام بكل تأكيد لهذه العبارة، من كل من جعل الدنيا مبلغ علمه وأقصى همه وغاية تفكيره. وهو لا شك يحتوي على سوء فهم فضيع لهذه العبارة، فإن الحسين عليه‌السلام إنما قالها لا لأجل نفسه، وحاشاه أن ينظر إلى غير الله عز وجل، وهو الذي قيل إنه استشهد ببعض الأبيات مما سمعناه فيما سبق:

تركت الخلق طرا في هواكا * وأيتمت العيال لكي أراكا

ولو قطعتنني في الحب إربا * لما مال الفؤاد إلى سواكا

والمهم أن هذا الأمر شعر به عدد لا يستهان به من الناس طول التاريخ، ممن لا يتصف بالعصمة فكيف حال المعصوم نفسه، وإنما نتخيل نحن غير ذلك ؛ لأننا لا نفهم مستوى المعصوم، ولا يخطر في بالنا ما يمكن أن يكون عليه تجاه الله عز وجل، وإنما طلب الناصر من قبله عليه‌السلام كان لفائدة الاخرين بلا شك، ولكنه اتخذ تلك الحالة سبيلا للنطق بتلك التعبيرات، حتى لا يضع كل موعظة في غير محلها ولكي يتكلم مع الناس على قدر عقولهم. وما يمكن أن يتصور من فوائد لهذه الجملة، عدة أمور: الأمر الأول: طلب الناصر ممن يولد ويوجد خلال الأجيال، ليكون محبا للحسين عليه‌السلام، سائرا في طريقه، مضحيا في سبيل دينه بمقدار ما يقتضيه حاله، وكل من كان كذلك في أي زمان ومكان فقد أجاب الحسين عليه‌السلام للنصرة. الأمر الثاني: طلب الناصر من البشر الموجودين في ذلك العصر، وتذكيرهم بمسؤوليتهم الكبرى المباشرة في الذب عن إمامهم المعصوم عليه‌السلام أمام الله عز وجل، وذلك يكون موازيا لمضمون ما ورد من أن: «من سمع واعيتنا ولم ينصرنا أكبه الله على منخريه في النار» 5. الأمر الثالث: طلب الناصر من الجيش المعادي الواقف أمامه في ذلك الحين ؛

وذلك لنتيجتين: لأنهم كلهم حين يسمعون ذلك فإما أن يستجيب منهم أحد أولا، فإن لم يستجب كان هذا النداء حجة عليه وقهرا له في الاخرة، وتركيزا لأهمية عقابه، وإن استجاب بعضهم كان ذلك النداء رحمة له وسببا لتوبته وهدايته، كما تاب الحر الرياحي رضوان الله عليه ساعتئذ، وأثر هذا النداء في نفسه تأثيره الصحيح 6. ويكفينا أن نتصور: لو أن عددا مهما من الجيش المعادي قد التحق بالحسين عليه‌السلام، أو التحق الجيش كله، كيف سيكون حال التاريخ الإسلامي عندئذ؟ ولكنهم على أي حال لم يكونوا يستحقون التوبة ولا الرجوع عن الحوبة (قبحهم الله). ولا ينبغي أن يخطر على البال: أنه من خطل القول طلب النصرة من الأعداء مباشرة، ولم يحصل مثل ذلك خلال التاريخ البشري. وجوابه: إن ذلك منطلق من عدة أسس، ولا يمكن أن تكون موجودة في غير الحسين عليه‌السلام: الأساس الأول: إنهم جميعا يعلمون شأنه العظيم وقربه إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌واله، وفاطمة الزهراء، وإنه سيد شباب أهل الجنة وغير ذلك مما لا يخفاهم أجمعين. الأساس الثاني: إن التعاليم العسكرية في ذلك الحين لم تكن متزمتة وصارمة ودقيقة مثل ما عليه هذا اليوم، بل كان كل فرد من الجيش له رأيه وتفكيره وتصرفه كشخص اعتيادي تماما.

ومن هنا أمكن للحسين عليه‌السلام أن يتكلم معهم كأفراد أو كبشر بغض النظر عن موقفهم العسكري. الأساس الثالث: إن عامة هؤلاء الموجودين ضده ليسوا أعداء له بأشخاصهم، بل العدو الحقيقي ليس إلا الحاكم الأموي، ثم المأمورون الأساسيون في الجيش: كعبيد الله بن زياد الذي كان حاكم الكوفة يومئذ، وعمر بن سعد الذي كان القائد العام للجيش المعادي للحسين عليه‌السلام وأضرابهم.

أما الباقون، فهم مجلوبون بأسباب عديدة: أهمها الخوف والطمع وليسوا أعداء حقيقيين، ولذا قال قائلهم: قلوبنا معك وسيوفنا عليك 7، ولذا صح للإمام الحسين عليه‌السلام طلب النصرة منهم لأجل مصلحتهم لعلهم يتوبون أو يذكرون 8.

  1. الدمعة الساكبة: م ١، ص ٣٤٠، أسرار الشهادة للدربندي: ص ٣٦٩.
  2. القران الكريم: سورة محمد (47)، الاية: 7، الصفحة: 507.
  3. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الاية: 152، الصفحة: 23.
  4. اللهوف: ص ٤٣، المنتخب للطريحي: ص ٣١٢، الدمعة الساكبة: ص ٣٤٠.
  5. أسرار الشهادة: ص ٢٣٣، البحار: ج ٤٤، ص ٣١٥، الخوارزمي: ج ١، ص ٢٢٧.
  6. الطبري: ج ٦، ص ٢٤٤، اللهوف: ص ٤٤، ابن الأثير: ج ٣، ص ٢٨٨.
  7. العقد الفريد: ج ٤، ص ٣٨٢، الإرشاد: المفيد، ص ٢١٨، الخوارزمي: ج ١، ص ٢٢٠.
  8. المصدر: أضواء على ثورة الحسين عليه السلام، لسماحة اية الله السيد محمد الصدر (رحمه الله).

طباعة   البريد الإلكتروني