من سيرة الامام موسى بن جعفر عليه السلام

(وقت القراءة: 2 - 4 دقائق)

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي: هشام بن الحكم قال موسى بن جعفر لابرهة النصراني : كيف علمك بكتابك ؟ قال : أنا عالم به وبتأويله قال : فابتدأ موسى عليه‌ السلام يقرأ الانجيل فقال أبرهة : والمسيح لقد كان يقرأها هكذا ، وما قرأ هكذا إلا المسيح ، وأنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة ، فأسلم على يديه.حج المهدي فلما صار في فتق العبادي (1) ضج الناس من العطش فأمر أن تحفر بئر ، فلمّا بلغوا قريباً من القرار هبت عليهم ريح من البئر ، فوقعت الدلاء ومنعت من العمل ، فخرجت الفعلة خوفاً على أنفسهم فأعطي علي بن يقطين لرجلين عطاء كثيراً ليحفرا فنزلا فأبطآ ، ثم خرجا مرعوبين قد ذهبت ألوانهما ، فسألهما عن الخبر فقالا : إنّا رأينا آثاراً وأثاثاً ، ورأينا رجالاً ونساء فكلّما أومأنا إلى شيء منهم صار هباءا ، فصار المهدي يسأل عن ذلك ولا يعلمون ، فقال موسى بن جعفر عليهما‌ السلام : هؤلاء أصحاب الاحقاف ، غضب الله عليهم فساخت بهم ديارهم و أموالهم (2).
دخل موسى بن جعفر عليه‌ السلام بعض قرى الشام متنكراً هارباً فوقع في غار وفيه رابه يعظ في كل سنة يوماً فلمّا رآه الراهب دخله منه هيبة فقال : يا هذا أنت غريب ؟ قال : نعم. قال : منا ؟ أو علينا ؟ قال : لست منكم. قال : أنت من الامة المرحومة ؟ قال : نعم. قال : أفمن علمائهم أنت أم من جهالهم ؟ قال : لست من جهالهم. فقال : كيف طوبى أصلها في دار عيسى وعندكم في دار محمد وأغصانها في كل دار ؟.
فقال عليه‌ السلام : الشمس قد وصل ضوؤها إلى كل مكان وكل موضع ، وهي في السماء. قال : وفي الجنّة لاينفد طعامها وإن أكلوا منه ولا ينقص منه شيء ؟ قال : السراج في الدنيا يقتبس منه ولا ينقص منه شيء. قال : وفي الجنّة ظل ممدود ؟ فقال : الوقت الذي قبل طلوع الشمس كلّها ظل ممدود قوله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ) (3) قال : مايؤكل ويشرب في الجنّة لايكون بولاً ولا غائطاً ؟ قال : الجنين في بطن اُمّه. قال : أهل الجنّة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر ؟ فقال : إذا احتاج الانسان إلى شيء عرفت أعضاؤه ذلك ، ويفعلون بمراده من غير أمر. قال : مفاتيح الجنّة من ذهب ؟ أو فضة ؟ قال : مفتاح الجنّة لسان العبد لا إله إلا الله. قال : صدقت ، وأسلم والجماعة معه (4).
وقال أبوحنيفة : رأيت موسى بن جعفر وهو صغير السن في دهليز أبيه فقلت : أين يحدث الغريب منكم إذا أراد ذلك ؟ فنظر إليّ ثم قال : يتوارى خلف الجدار ويتوقى أعين الجار ، ويتجنب شطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، وأفنية الدور ، و الطرق النافذة ، والمساجد ، ولا يستقبل القبلة ، ولا يستدبرها ، ويرفع ويضع بعد ذلك حيث شآء.
قال : فلمّا سمعت هذا القول منه ، نبل في عيني ، وعظم في قلبي ، فقلت له : جعلت فداك ممّن المعصية ؟ فنظر إليّ ثم قال : اجلس حتى اخبرك ، فجلست فقال : إنّ المعصية لابدّ أن تكون من العبد أو من ربّه أو منهما جميعاً ، فان كانت من الله تعالى فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله ، وإن كانت منهما فهو شريكه ، والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف ، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر ، وإليه توجه النهي ، وله حقّ الثواب والعقاب ، ووجبت الجنة والنار فقلت : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) الآية (5).
وروى عنه الخطيب في تاريخ بغداد (6) والسمعاني في الرسالة القوامية وأبوصالح أحمد المؤذن في الاربعين ، وأبو عبدالله بن بطة في الابانة ، والثعلبي في الكشف والبيان ، وكان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن أهل البيت عليهم‌ السلام لما روى عنه قال : حدثني موسى بن جعفر قال : حدثني أبي جعفر بن محمد وهكذا إلى النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ثم قال أحمد : وهذا إسناد لو قرئ على المجنون أفاق.
ولقيه أبونواس فقال :
إذا أبصرتك العيـــن من غيـــر ريبـة * وعـارض فيـــك الشـــك أثبتـك القلب
ولـــو أن ركبـــا أممـــوك لقادهـــم * نسيمـك حتى يستـــدل بـــك الركب
جعلتك حسبي في اُموري كلّهــا * وما خاب من أضحى وأنت له حسب

الهوامش
1. فتق العبادي سيأتي بعد هذا نقلاً عن الخرائج ص ٢٣٥ انه قبر العبادي فلاحظ.
2. المناقب ج ٣ ص ٤٢٦.
3. سورة الفرقان ، الآية : ٤٥.
4. المناقب ج ٣ ص ٤٢٧.
5. نفس المصدر ج ٣ ص ٤٢٩ واخرج الحديث السيد الشريف المرتضى في أماليه ج ١ ص ١٥١ وقد ذكر في آخره انه قد نظم المعنى شعراً فقيل :
لم تخل أفعالنا اللاتي نذم لهــا * احـدى ثلاث خـلال حيــن نأتيهـــا
امـــا تفـــرد بارينــــا بصنعتـــها * فيسقط اللوم عنـــا حين ننشيها
أو كان يشركنا فيهـــا فيلحقـــه * ماسوف بلحقنا من لائـــم فيهـــا
أو لم يكن لا لهى في جنايتهـــا * ذنب فمــا الذنب الا ذنب جانيهـــا
سيعلمون اذا الميزان شال بهم * أهم جنوهـــا أم الرحمــن جانيها
6. تاريخ بغداد ج ١٣ ص ٣٢٢٧.

مقتبس من كتاب بحار الأنوار الجزء 48


طباعة   البريد الإلكتروني